جاء ذلك خلال البيان الذي أدلت به سعادة السفيرة لانا زكي نسيبة المندوبة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة، أمام المناقشة المفتوحة التي عقدها مجلس الأمن الدولي أمس حول مسألة “حماية المدنيين في النزاعات المسلحة”، محددة خلالها ثلاث محاور عمل لتعزيز الالتزام بحماية المدنيين وبالقانون الدولي، وهي التركيز على الوقاية عند معالجة الأسباب الجذرية للصراع، والاعتراف بأن الصراعات الإقليمية في العالم تحتاج إلى حلول إقليمية، وأخيرا عبر إعادة تنشيط مجلس الأمن، لضمان اتخاذه الإجراءات الكفيلة بالتصدي للنزاعات بما في ذلك متابعة تنفيذ قراراته ليتسنى له مواصلة أداء ولايته المتعلقة بالحفاظ على السلام والأمن.
واتفقت السفيرة نسيبة مع موقف الأمين العام للأمم المتحدة الذي يقضي بأن أنجع طريقة لحماية المدنيين يتمثل في منع نشوب النزاعات وإنهائها، موضحة بأن فشل مجلس الأمن في الاستجابة بشكل حاسم في بعض مناطق الصراع في العالم تسبب في وقوع خسائر بشرية فادحة ومؤسفة. وعليه شددت على أهمية تفعيل وحدة الهدف داخل مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات جديدة للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، بما في ذلك انتهاج خطوات مبتكرة وجريئة لمواجهة التهديد الذي تشكله العناصر الفاعلة من غير الدول، وأيضا انتهاج إجراءات أخرى حازمة ضد الدول التي تقوم بتمويل ودعم هذه الجماعات، مشيرة إلى أنه لم يعد بالإمكان إعفاء هذه الدول من مسؤولياتها تجاه هذه الانتهاكات للقانون الدولي”.
وأضافت “نرى أن دولاً، مثل إيران التي تواصل التصرف على هذا النحو، يجب إخضاعها للمساءلة بشكل أكبر بسبب محاولاتها الصارخة لانتهاك القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن”.
وأكدت على أن دولة الإمارات تضطلع في اليمن بمسؤولياتها تجاه القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين بجدية تامة بوصفها عضواً في التحالف لدعم الشرعية في اليمن.
كما نوهت إلى التداعيات الخطيرة الناجمة عن فشل مجلس الأمن في اتخاذ إجراء، وأيضا عن فشله في متابعة تنفيذ قرارات الصادرة عنه” معتبرة هذا الفشل بأنه أحد أسباب الطبيعة المعقدة للنزاعات.
وأعربت سعادتها عن تطلع دولة الإمارات إلى مواصلة التعاون مع الأمم المتحدة لحل هذا النزاع الذي تسبب فيه الحوثيون بدعم من إيران، وقالت “لقد عملنا مع الأمم المتحدة لضمان اتساق مبادئنا وممارساتنا العسكرية مع أفضل الممارسات الدولية، وعملنا بجد لتصحيح المشاكل التي تنشأ”. وتعهدت بمواصلة الدولة تعاونها بشكل وثيق مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى من هم في أمس الحاجة إليها في المناطق المتضررة، وأعربت كذلك عن تطلع الإمارات للعمل مع المبعوث الخاص للأمين العام لليمن، مارتن غريفيث، في جهوده الرامية إلى وضع خارطة طريق لتحقيق السلام المستدام.
ووصفت الحوثيين في اليمن بالمثال الواضح للمشاكل التي تسببها العناصر الفاعلة من غير الدول في المنطقة بشكل عام وحول العالم. مشيرة إلى “أنه وفي كثير من الأحيان يكون السكان المدنيون في الدول التي تخترقها هذه الجماعات هم أكثر من يعاني من العواقب”. وأكدت على أن هذا الخطر الأخلاقي يتضخم عندما تتلقى هذه المجموعات الدعم من دول.
وقالت “إن تزويد إيران العناصر الفاعلة من غير الدول بالأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، من أجل تجنب المساءلة عن أفعالها هو انتهاك لسيادة الدول، وقد دفع بالمنطقة برمتها نحو هاوية خطيرة للغاية”.
كما تطرقت سعادتها إلى النزاع السوري الذي دخل عامه الثامن، مشيرة إلى أن إخفاق مجلس الأمن في اتخاذ الإجراءات حيال النزاعات تسبب في تفاقم وإطالة هذه النزاعات في كثير من الحالات.
وعزت حرمان الشعب السوري لفترة طويلة من المساعدات الإنسانية بأنه يعود لعجز مجلس الأمن عن اتخاذ أي إجراء أو اعتماد أي قرارات بشأن سوريا منذ عام 2011، وأيضا لعدم تنفيذ القرارات التي تم اعتمادها، مجددة في هذا الصدد دعوة دولة الإمارات للأمم المتحدة إلى ضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجونها دون أي عوائق، وإلى محاسبة المسؤولين عن شن الهجمات الكيمياوية ضد المدنيين، بوصفها انتهاكاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي.
وتطرقت أيضا السفيرة نسيبة إلى تطورات القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أنه وبمجرد تجاهل الأسباب الجذرية لهذا لنزاع سيؤدي حتماً إلى إراقة المزيد من الدماء، ولا سيما في ظل استمرار استهتار إسرائيل بحياة المدنيين وبالقانون الدولي.
واعتبرت التصرفات الإسرائيلية على السياج في غزة خلال الشهور الأخيرة، بما فيها هجماتها ضد الأطباء والمسعفين الطبيين بمثابة انتهاك واضح للحماية الواجب توفيرها للعاملين في مجال تقديم الخدمات الطبية للمدنيين الجرحى، وذلك بموجب اتفاقية جنيف الرابعة والقانون الدولي العرفي. كما شددت على أهمية عدم تغاظي أو تجاهل المجتمع الدولي لهذه التصرفات الاسرائيلية التي لا يمكن أن تصبح وضعاً عادياً، ودعت إسرائيل إلى الالتزام بمسؤولياتها، بوصفها القوة القائمة بالاحتلال، بما في ذلك ضمان الحقوق الإنسانية الأساسية للفلسطينيين وحمايتهم.
ولفتت السفيرة نسيبة إلى أن دولة الإمارات عندما تدعو إلى المساءلة عما يحدث في سوريا أو في فلسطين، فإن الأمر لا يتعلق فقط بالسعي إلى تحقيق العدالة، وإنما أيضا لمنع أشكال هذا العنف في المستقبل.
وحذرت من أن التشكيك في الحقائق والأرقام الدقيقة هو وسيلة فعالة في أيدي الحكومات التي تسعى لعرقلة أي محاولة لإخضاعها للمساءلة عن أفعالها، وأكدت على “أن الطريقة الوحيدة لمواجهة تلك التصرفات تتمثل في إنشاء آليات متفق عليها لجمع البيانات، بحيث يتمكن المجتمع الدولي من الاستجابة بشكل مناسب ومسؤول تجاه التطورات الهامة”.
وأشادت سعادتها بالزيارة التي قام بها مجلس الأمن بتنظيم من الكويت وبيرو والمملكة المتحدة إلى ميانمار، مشيرة إلى أن هذه الزيارة تمثل نموذجا ممتازا لقدرة المجلس على اتخاذ خطوات تفي بمهامه. معربة في هذا السياق عن قلق الإمارات البالغ إزاء المحنة التي تمر بها أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار، وعبرت عن أملها في أن يتابع المجلس نتائج تلك الزيارة.
واختتمت سعادة السفيرة نسيبة بيانها مؤكدة على أن هناك الكثير الذي يتعين القيام به لضمان توفير الحماية والرعاية للمدنيين أثناء النزاع، وخاصة للفئات الأكثر ضعفاً. وشددت على أهمية التقيد بالسياسات الملزمة للوكالات الأمنية ووكالات تقديم المعونات فيما يتعلق بمراعاة المنظور الجنساني والعمر والإعاقة عند تحديد الاحتياجات والاستجابة الطارئة، بالإضافة إلى إنشاء آليات للمساءلة عن تطبيق هذه السياسات، من أجل تنفيذها على صعيد جميع ركائز الأمم المتحدة، والإبلاغ عن نتائج هذه المؤشرات في تقارير علنية. ودعت مجلس الأمن لعكس هذه الجهود وتنفيذه لسياسات مماثلة.
دعت الإمارات العربية المتحدة مجلس الأمن والدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى الانضمام إليها في التزامها بحماية المدنيين وتعزيز القانون الدولي.