السيد بيتر تومسون رئيس الجمعية العامة، السادة الوزراء ورؤساء الوفود:
يسرني في البداية أن أتقدم إليكم بالتهنئة على توليكم رئاسة أعمال هذه الدورة للجمعية العامة، مؤكدا لكم دعم دولة الإمارات لجهودكم خلال فترة رئاستكم، كما أود أن أُعرب عن شكري وتقديري لسلفكم السيد/ موجينز ليكتوفت لإدارته الحكيمة لأعمال الدورة الماضية.
السيد الرئيس:
تواجه منطقتنا والعديد من دول العالم العديد من الأزمات والصراعات انفجرت منذ عام 2011. فنحن نرى عددا من الدول العربية انزلقت نحو التقاتل الداخلي مثل اليمن وليبيا والعراق وسوريا والصومال، فيما تستمر محنة الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي دون أن يبدو في الأُفق أي بادرة لحل عادل يُعيد للشعب الفلسطيني حقوقه السليبة في إنشاء دولته على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وأسهمت التدخلات الإقليمية في الشأن العربي، وعلى رأسها تصدير إيران لثورتها خارج حدودها، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي يشمل دستورها نصا صريحا بذلك، في حالة عدم الاستقرار والاقتتال.
لقد أثبتت السنوات القليلة الماضية عُقم الاكتفاء بإدارة هذه الأزمات لذلك فإن جهودنا المشتركة وجهود المجتمع الدولي يجب ان تنصب على إيجاد الحلول الأساسية لهذه الصراعات.
ولست في حاجة لأن أُشير إلى اندلاع موجات الإرهاب واتخاذها أشكالا غير مسبوقة وأساليب من البشاعة لا تخطر على بال لتثير الذُعر والفزع ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في العديد من دول العالم بحيث بدا أن الإرهاب لم يعد محصورا في حدود دولة أو إقليم معين، بل أن مسرح عملياته هي العالم أجمع، متجاوزا الحدود ومخترقا الحواجز.
ولعل خطورة ما تواجهه منطقتنا من ناحية والعديد من دول العالم من ناحية أخرى ما يدفعنا إلى أن نفكر معاً في كيفية مواجهة هذه الأزمات والتوافق على الحلول الكفيلة بحلها بالسرعة والفاعلية المناسبتين، دون الانتقاص من شأن الجهود القائمة. فمواجهة الحركات الإرهابية حق علينا وواجب، لكن اللجوء إلى قوانين عمياء تتجاهل الدور الفعال لعدد من الدول في محاربة الإرهاب بعد أن قاسى منه الآخرين، كما هو الحال مع قانون جاستا في الكونغرس الأمريكي، الأمر الذي من شأنه الانزلاق للسياسات العشوائية التي تؤدي إلى زعزعة العلاقات المتينة بين الحلفاء.
السيد الرئيس:
سوف أحاول أن أُحدد في هذا الصدد مجموعة من الأفكار أتصور أنها تُشخّص الأزمات، وتشير إلى ما يُمكن أن يكون حلاً لها.
فالواقع هو القوى الفاعلة في الأزمات التي تضرب منطقتنا، سواء كانت أطرافا إقليمية أم دولية اكتفت بإدارة الأزمات دون اقتحامها ووضع الحلول لها وكان من نتائج ذلك تفاقم خطورتها وازدياد تعقيداتها على نحو جعل من العسير حلها إلا بجهود مضاعفة وبتكلفة مادية وبشرية باهظة.
فنكبة الشعب الفلسطيني ومعاناته ما زالت مستمرة منذ نحو سبعين عاما، بل انها أسهمت في تزايد ظاهرة العنف والعنف المضاد بسبب الاكتفاء الكسول بإدارة الأزمات دون السعي الجاد إلى حلها واكتفاء القوى الفاعلة والمؤثرة، بل والمُسببة لهذه النكبة.
كذلك فإن العراق ما زال، ومنذ أكثر من عقد، يعاني من الطائفية ومن أعمال العنف شبه اليومية ناهيك عن سيطرة قوى الإرهاب الأسود على جزء من إقليمه وعن نشر الرعب والفزع في نفوس شعبه، واحتمالات المساس بسلامته الإقليمية. ناهيك عن التدخل الإيراني في شأنه الداخلي، ما فاقم من تأجيج عوامل الفُرقة بين أبناء شعبه، وعلى الرغم من كل ذلك فإننا نشهد غياب الحل السياسي الشامل لإرساء التوافق بين مكونات الشعب العراقي ووضع حد لتهميش طوائف كاملة منه.
ماذا فعلت القوى الفاعلة في هذا الشأن؟
ماذا كان موقف القوى القادرة على معالجة هذه الأزمات الخطيرة؟
انها اكتفت في حصر آثار الأزمات والتخفيف من غلوائها ودون التصدي لحلها. وكانت النتيجة الطبيعية زيادة في التعقيدات المصاحبة لهذه الأزمات، كتهديد كيان الدول الوطنية، وانهيار مؤسساتها، واندلاع الصراع فيما بينها، وظهور قوى الإرهاب والتطرف، ناهيك عن الثمن الباهظ الذي تدفعه المنطقة من أرواح أبنائها ومستقبلهم. ونجد أن إيران، من خلال سياساتها الإقليمية التوسعية، وانتهاكها الفاضح لمبادئ السيادة والتدخل الدائم في شؤون جيرانها الداخلية، كان لها الدور الأكبر في الاحتقان وعدم الاستقرار في المنطقة.
فعلى الرغم من التوصل إلى ما يعرف بالاتفاق النووي بين طهران ودول (٥+١)، وعلى الرغم من ترحيب دول المنطقة بذلك الاتفاق، وخلافا لكل التوقعات المتفائلة بتغيير إيران لنهجها العدائي، سرعان ما اصطدمت هذه القراءة بواقع استمرار طهران في تقويض أمن المنطقة عبر الخطاب الملتهب والتدخل الفج وإنتاج وتسليح المليشيات، ناهيكم عن تطوير برنامجها الصاروخي، وعن تصنيفها المقلق كدولة راعية للإرهاب، وهذه كلها سياسات رفضت طهران أن تتخلى عنها. وغني عن البيان أن بقاء السلوك الإيراني على حاله يؤكد طرحنا بأن الاستقرار في المنطقة مفتاحه التصدي للأزمات وحلها لا الاكتفاء بمحاولة إدارتها.
ورب نموذج آخر على هذا الميل لتجنب معالجة القضايا من أساسها والاكتفاء بالتنديد نراه في الموقف من تطوير كوريا الشمالية لإمكانياتها النووية والصاروخية وقيامها دورياً بتجارب تهدد أمن جيرانها، وتهدد الأمن والسلم الدوليين، وتتنافى بصورة صريحة مع أبسط قواعد القانون الدولي.
وما يُقال في هذا الخصوص يصدق على الأزمة في ليبيا وسوريا واليمن والصومال. فعدم تدارك هذه الأزمات في حينها ومنع تفاقمها وإيجاد الحلول الكفيلة بتلافي أخطارها أدى إلى معاناة العديد من الدول من نتائجها، فما تشهده منطقتنا العربية وتداعيات ازماتها وآثارها السلبية تمتد الى خارج حدودها وحدود إقليمها لتؤثر على محيط جغرافي أكبر.
ولعل أزمة اللاجئين والنزوح الجماعي من مناطق الصراع والضغوط التي نجمت عن ذلك على العديد من الدول، ما يشير إلى ضرورة تكاتفنا جميعاً، داخل منطقتنا وخارجها، لوضع الحلول التي تسمو على المصالح الفردية لهذا الطرف أو ذاك، وعدم استثمارها سياسياً لصالح طرف ضد آخر، وفي هذا مثل آخر على أن تجاهل الأزمات والاكتفاء بإدارتها ساهم في تعقيدها وتشعبها.
السيد الرئيس:
على الرغم من خطورة الأزمات التي نواجهها جميعا إلا أن إيجاد الحلول ليس بالأمر العسير إذا توافر حُسن النوايا والإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي ولدى الأطراف القادرة على حلها. ويمكن أن أشير إلى مجموعة من الأفكار في هذا الصدد:
أولاً: أنه فضلا عن قيام الحلول على أساس العدل واحترام القانون فإنه لا يجب أن يُعطى أي دور، مهما كان، لقوى التطرف والإرهاب والشر ولا إلى دُعاة الطائفية والساعين إلى تمزيق الشعوب، ويصدق ذلك على ما تقوم به إيران في المنطقة، كما يجب أن يكُف أي طرف إقليمي أو دولي عن القيام بدور سلبي في هذا الصدد، لأن الخطر سينال بالضرورة من الجميع لو استمرت الأزمات على حالها.
ثانياً: إن هناك جهودا جادة محاولة حل بعض الأزمات المُثارة في بعض دول المنطقة وعلى وجه الخصوص في كل من اليمن وليبيا. ففي اليمن تبلورت مبادرات عدة ووُضعت خارطة طريق فعالة كان يمكن أن تُخرج اليمن من محنته متمثلة في الأُطروحات التي عرضتها الشرعية اليمنية في اجتماعات الكويت كما في مقترحات اجتماع جدة الرباعي في شهر أغسطس الماضي، ونأمل أن تسفر هذه الجهود عن حل سياسي إذا حَسنُت نوايا الانقلابيين، وارتقوا إلى مستوى المصلحة الوطنية ومسئولياتها.
كذلك فإن دولة الإمارات تُرحب بما اتفقت عليه الأطراف المعنية في ليبيا في اتفاق الصخيرات، وَتكوين حكومة الوفاق الوطني ونأمل أن يتحقق الالتزام بالبناء الدستوري وان يترسخ التعاون بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب، والذين يُمثلان الشرعية في ليبيا، وأن يتحقق الاصطفاف الوطني بما يحفظ وحدة تراب ليبيا وتلاحم شعبها.
أما في سوريا فإن دولة الإمارات لا ترى أي احتمال لحل الأزمة عن طريق القوة العسكرية، التي لا ينتج عنها إلا زيادة معاناة الشعب السوري الشقيق، وتدفق اللاجئين على الدول الأخرى. ومما يزيد من تعقيدات المشهد تدخل إيران وميليشياتها الإرهابية في الشأن السوري، كل ذلك من شأنه الحد من وضوح الرؤية والابتعاد عن المسار القائم على المرجعيات والقرارات الدولية باعتباره سبيل الخلاص من هذه المأساة المروّعة.
إن قلوبنا تُدمى إذ نرى أبناء الشعب السوري الشقيق يهربون من الموت إلى الموت، ونشعر بأعمق الحزن إذ نرى أبناء وبنات هذا الشعب الذي عُرف بإبائه وحضارته المديدة وقد اضطرته ظروف القتال في سوريا إلى الارتماء في مصير غامض من خلال تهجير قسري يعرفون بدايته ولكن لا يدركون نهايته فضلا عن امتهان كرامتهم على حدود هذه الدولة أو تلك. وإننا نرى أن آثار هذه الأزمة تطال أجيالا مقبلة من السوريين من إكتووا بالعنف والتشريد والمستقبل المجهول.
ان كل ما ذكرته يؤكد لنا من وجهة نظر المنطقة أن مجرد إدارة الأزمات، وتضميد الجراح، وتكرار الجهود الإنسانية الخيرة، وعقد المؤتمرات الدولية المتكررة ليست بديلاً عن حل الأزمات.
ومع صعوبة ما تجتازه منطقتنا من أزمات ذكرت بعضها، إلا أن الآمال ما زالت منعقدة على تجاوزها. وتشهد على ذلك بعض الحلول التي اعتمدتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الشقيقة في المنطقة التي تبعث على التفاؤل من تجربتها الوطنية، ونأمل ان تمتد آثارها الإيجابية إلى غيرها من دول المنطقة.
السيد الرئيس:
إن دولة الإمارات تؤمن إيمانا عميقا بقيم العدالة والقانون الدولي وحقوق الإنسان وبمقتضيات الحكم الرشيد وبتوفير مناخ متزايد من السعادة لمواطنيها والمقيمين فيها، ويقترن هذا الإيمان بسياسات واقعية قامت بتبنيها انطلاقاً من قناعتها بأن التنمية الحقيقية لا تعني الجانب الاقتصادي فحسب، وإنما تعني بالدرجة الأولى الاستثمار في البشر استثماراً مبنياً على قيم التسامح وقبول الآخر، وتحقيق المساواة بين أبناء الشعب دون تفرقة بين رجاله ونسائه، ويمثل تمكين المرأة في بلادنا سياسة جوهرية إيمانا منا بدورها الاجتماعي الرائد وإسهامها الفعال في بناء الأجيال، وبقيامها بدور نجحت فيه بالفعل.
إن بلادي إذ تجعل من البناء السليم للإنسان وسيلة وغاية، سياسة وتشريعا، فإنها تؤمن بأن الإطار اللازم لتحقيق هذا الهدف يتمثل في الحفاظ على الدولة الوطنية وتحصينها من عوامل التطرف والطائفية وحماية مؤسساتها وتأمين الاستقرار فيها. ويُمثل هذا كله المقتضيات الضرورية لترسيخ حصانة الدولة ضد عوامل التفكك والانهيار التي هددت دولاً أخرى في المنطقة
ولقد اعتمدت بلادي في هذا الصدد من الآليات والوسائل ما يسعى إلى حماية شبابنا من الوقوع في براثن التطرف والعنف، فأنشأت مركزاً لمكافحة التطرف هو مركز “هداية”، وشاركت الولايات المتحدة الأمريكية في تأسيس “مركز صواب”، كما تم إنشاء “مجلس حكماء المسلمين”، و”منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” للتعريف بالوجه الحقيقي للإسلام. وكل هذه المؤسسات تستهدف حماية الشباب من استقطاب جماعات التطرف والطائفية والإرهاب والرد على دعاويها الباطلة.
السيد الرئيس:
لا يمكن أن تشغلنا أزمات المنطقة عن قضيتنا الوطنية الرئيسية المتمثلة في سيادة دولة الإمارات على جُزرها الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والتي احتلتها إيران بالمخالفة لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وقد دعت بلادي وما تزال الجارة الإيرانية لإعادة الحقوق إلى أصحابها إما طواعية وإما باللجوء إلى الوسائل السلمية لحل النزاعات الدولية وعلى رأسها اللجوء إلى القضاء أو التحكيم الدوليين، فإن ذلك من شأنه تعزيز العلاقات الودية وحسن الجوار في منطقة الخليج العربي. ونؤكد أن بلادي لن تتخلى أبداً عن حقها في السيادة على هذه الجزر، وفي توجهنا هذا فيه ما يؤكد تمسك الإمارات بمرتكزات القانون الدولي.
السيد الرئيس:
إن إيماننا بدور الأمم المتحدة وأجهزتها وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين إيمان لا يتزعزع، ونحن نتوقع منها دوراً فاعلاً وحيوياً في مواجهة الصراعات وحلها وتعزيز حصانة الدول الوطنية في إطار احترام سيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ولعل منطقتنا، بالنظر للظروف الصعبة التي تمر بها، أحوج ما تكون لإسلوب أكثر فاعلية في التصدي للازمات والنزاعات بحلولٍ جذرية مدعومة من المجتمع الدولي.
ولتمكين مجلس الأمن من القيام بدوره، يتعين على أعضائه العمل سوياً لما فيه مصلحة وخير للمنطقة ودول العالم. ولضمان فاعلية الأمم المتحدة في عالم متعدد الأقطاب، يتوجب إعطاء دور أكبر للجمعية العامة وللتخطيط المسبق لتحقيق الأمن والاستقرار من خلال استراتيجيات وبرامج بناءة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر بكافة أشكاله ومكافحة عدم المساواة ومعالجة تغير المناخ، والدفاع عن حقوق الإنسان. كما اننا على قناعة تامة بأن فاعلية الأمم المتحدة وأجهزتها التنفيذية سبيله التعاون المؤسسي مع المنظمات الإقليمية بحيث تنظمه آليات واضحة تعزز هذا التعاون وتجعله رُكناً أساسياً في منظومة عمل الأمم المتحدة.
وتتطلع دولة الإمارات إلى العمل مع الأمين العام الجديد بهدف تعزيز عمل وفعالية مؤسسات الأمم المتحدة وبرامجها لضمان تقدم سير عملها واحراز النتائج المرجوة فيما يخص إيجاد الحلول للصراعات واستباقها وبناء القدرات اللازمة للحفاظ على الأمن والسلم العالميين.
وشكرا سيدي الرئيس!