يسرني بالنيابة عن دولة الإمارات العربية المتحدة، أن أهنئ المملكة المتحدة على رئاستها لمجلس الأمن لهذا الشهر ودعمها للجهود المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم.
أننا نأمل أن تسهم مناقشة اليوم في إدراك دور الصراع وعدم الاستقرار في تزايد مشكلة العبودية الحديثة، وإتاحة الفرصة لتبادل الخبرات في مجال مكافحة الاتجار بالبشر على المستوى الوطني.
إن الاتجار بالبشر يُشكل أحد مصادر القلق الرئيسية لمنطقتنا، حيث تتسبب الحروب وعمليات النزوح في ترك عدد كبير من السكان غير قادرين على حماية أنفسهم. ولقد استغل تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة والإرهابية الأبرياء في القتال القسري وفي العمل لصالحهم والاعتماد عليهم كمصدر دخل لهم. كما لم تقتصر مكاسب هذه الجماعات على الأرباح المادية فقط. حيث ارتبط استغلال الضعفاء، وخاصة النساء، بصورة أساسية بالأيديولوجيات المتطرفة لهذه الجماعات والتي تشكل تهديدا وجوديا لمنطقتنا وأسلوب حياتنا.
ولمعالجة هذه الظاهرة العالمية، فإنه يتعين علينا أن نبدأ بما هو متاح داخل حدودنا الوطنية، والبناء على هذا الجهد مع آخرين عبر شبكة من التحالفات. إن دولة الإمارات العربية المتحدة، بصفتها أحد أبرز المناصرين للمساواة بين الجنسين، تشعر بقلق خاص تجاه الضرر العشوائي المترتب على ارتكاب هذه الجريمة بالنسبة للنساء والفتيات.
وتتعامل دولة الإمارات بجدية شديدة مع هذا الانتهاك لحقوق الإنسان وتعمل بحزم لمكافحة الاتجار بالبشر من خلال آليات إنفاذ القانون والمؤسسات الحكومية المعنية بذلك. وما كان باستطاعتنا التصدي لهذه المشكلة دون تقوية الأطر التشريعية والتنظيمية للدولة. ولذلك، قامت دولة الإمارات بإصدار القانون الاتحادي رقم 51 لعام 2006، وهو أول قانون يصدر لمكافحة الاتجار في منطقتنا، لحظر ممارسة الاتجار بالبشر وحماية ضحاياه، وهو يشمل تطبيق أحكام وعقوبات صارمة على من يثبت إدانتهم بالاتجار في البشر.
وبالرغم من ذلك، فقد اكتشفنا من خلال التجربة أن الأطر القانونية ليست كافية لمواجهة هذه المشكلة من جذورها. ولذلك قامت دولة الإمارات في عام 2007 بإنشاء لجنة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر تتولى تنفيذ استراتيجية متعددة الجوانب تهدف إلى:
• منع حدوث جرائم الاتجار بالبشر
• مقاضاة مرتكبي هذه الجرائم ومعاقبتهم
• حماية الناجين
• تعزيز التعاون المحلي والإقليمي والدولي.
كما قمنا بتعزيز قدرات إنفاذ القانون عن طريق إنشاء وحدات متخصصة في مجال مكافحة الاتجار في البشر في إدارات الشرطة بجميع أنحاء دولة الإمارات. وتم أيضا تنظيم دورات وورش عمل تدريبية لبناء القدرات ورفع الوعي لدى جهات إنفاذ القانون، والتي شملت عقد دورة مكثفة لمدة خمسة أشهر حول الاتجار بالبشر، وهي أول دورة من نوعها في العالم العربي.
إن الأفراد الذين تعرضوا لهذه الجريمة البشعة يجب حمايتهم عن طريق توفير المأوى وتقديم المشورة لهم. كما يجب التعامل معهم كضحايا وليس كأعضاء في العصابات الإجرامية التي قامت باستغلالهم. وقد قمنا بتفعيل الدعم المقدم للضحايا من النساء والرجال والأطفال على حد سواء وذلك عن طريق فتح مراكز إيواء في مختلف أنحاء دولة الإمارات والتي تقدم المساعدات الطبية والنفسية والاجتماعية للضحايا، كما تم أيضا إنشاء صندوق خاص لدعم تعافي الضحايا وإعادة توطينهم.
سيدي الرئيس:
إن التحديات الإقليمية تفرض علينا تطوير وسائل دفاعنا الوطنية والمتعددة الأطراف بنفس السرعة التي تتطور بها الجرائم المرتكبة. ولذلك، يُعتبر التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الاتجار بالبشر أمراً بالغ الأهمية لنا إلى جانب التعاون الدولي.
ويسرني أن اختتم بتقديم ثلاث توصيات لمكافحة الاتجار بالبشر يمكن تطبيقها على المستوى الدولي، وهي تتعلق تحديداً بمواجهة الأزمات في منطقتنا:
أولا: الوقاية. يجب علينا التصدي للاتجار بالبشر داخل حدودنا والتعاون في الوقت نفسه مع الدول التي تنشأ بها هذه الجرائم. وهذا يعني العمل مع الحكومات لتوفير قنوات للهجرة الشرعية، والتركيز على منع الظروف التي تفتح الباب أمام تجار البشر لاستغلال الأشخاص وذلك من خلال تعزيز سيادة القانون لحماية المواطنين وتوفير الفرص الاقتصادية. كما أن الوقاية عبر تحقيق التنمية المستدامة والشاملة للجميع تعتبر عنصراً أساسيا في معالجة الأسباب الجذرية لهذه القضية.
ثانيا: تواجه الوكالات المعنية بمكافحة العبودية الحديثة تحديات كثيرة ومعقدة. ونتيجة لذلك، يجب على المؤسسات المتعددة الأطراف، بما في ذلك الأمم المتحدة، القيام بدور قيادي في تعزيز التعاون الدولي بين القطاعين العام والخاص، وكذلك تعزيز التعاون بين الحكومات والمؤسسات الدولية. كما أن الاتفاق على الميثاق العالمي بشأن الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة واعتماده يجب أن يشمل أحكاما تتعلق بمواجهة العبودية الحديثة.
ثالثا، نحث مجلس الأمن على تعزيز استجابته لمواجهة الاتجار بالبشر – حيث أنها مشكلة مرتبطة بالتطرف العنيف والإرهاب- ونؤيد استخدام مجلس الأمن لوسائل لمواجهة الجماعات التي تستغل الضعفاء وتشعل الصراعات.
سيدي الرئيس:
إن المجتمع الدولي وحده القادر على العمل معا وبصورة شاملة لمواجهة هذا التهديد الخطير الذي يقوض الأمن والسلم العالميين والقضاء عليه.
وشكرا!