السيدة الرئيسة:
في البداية اود ان استهل كلمتي بتوجيه الشكر لك على تنظيمك لهذه المناقشة العامة التي جاءت في الوقت المناسب. كما أود أن أشكر الأمين العام للأمم المتحدة على الإحاطة التي قدمها. ولتقديم ملاحظات أكثر تركيزا، فإنني سوف أقتصر اليوم على ملاحظات دولة الإمارات بشأن منطقة الشرق الأوسط، والتي يسودها شعور عميق بعجز الأمم المتحدة عن تنفيذ غرضها الرئيسي المنصوص عليه في المادة الأولى من الميثاق.
وكما نعلم جميعا بالتفصيل، فإن تنظيم داعش والجماعات المتطرفة العنيفة الاخرى مسؤولون عن الجرائم الشنيعة التي تم ارتكابها في سائر أنحاء المنطقة. وما من شك في أن المسؤولية الأساسية عن تلك الجرائم تقع على عاتق المتطرفين.
لكن علينا أن ندرك أيضا أن ذلك ناتج عن عجز الحكومات والمجتمع الدولي – ممثلا في الأمم المتحدة – في التعامل بالسرعة والفعالية اللازمة، ومن خلال إطار قانوني دولي، مع تلك الجهات الفاعلة غير التابعة للدول ومن يساندها والعمل على مواجهة تكتيكاتها. إن جزءا كبيرا من هذا العجز يعود إلى عدم قدرة وسائل المواجهة المتاحة لمجلس الأمن على التكيف بالسرعة اللازمة للتعامل مع الطبيعة الخاصة لهذا التهديد. فما فائدة أن نفرض حظرا على السفر أو تجميداً للأصول إذا كان الجناة قادرين على التحايل على الوثائق الرسمية مثل جوازات السفر والحسابات المصرفية؟
هذا الفشل في التصدي لصعود جهات متطرفة لا تتبع دولا أدى إلى تحولها خطر وجودي يهدد منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ونموذج دولة الإمارات الداعي إلى الاعتدال والتسامح واحترام الحرية الدينية على وجه التحديد. كما أصبحت هذه الجهات تشكل خطراً عالميا متزايداً بسبب استلهام أساليبها في الهجمات المأساوية والعنيفة التي ضربت أنحاء مختلفة من العالم. وهذه التهديدات سوف تستمر في التطور، وهو الأمر الذي يتطلب تطوير استجابة عالمية تواكب ذلك التطور والا اصبحت هذه الاستجابة قديمة غير مجدية وتفتقر إلى المرونة والفعالية اللازمة.
وهناك سبب رئيسي آخر لحالة عدم الاستقرار في منطقتنا لا يقل أهمية وهو تزايد التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتفشي استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للدول.
وللتوضيح، فإن هذه الأعمال الخطيرة ترتكبها جهات تنتمي لدول، ونلاحظ هنا تزايد الشكوك بشأن الاختلاف بين ما تدعيه الدول على الساحة الدولية، وبين ما تفعله في الواقع. ولذلك، نحن بحاجة إلى الرد بقوة على الدول التي أصبحت تشكل عوامل عدم استقرار في المنطقة.
ومثال على ذلك، فقد رحبت دولة الإمارات مثل غيرها بالاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع إيران العام الماضي. ومع ذلك فالآمال التي انطلقت مع الاتفاق النووي بشأن قيام إيران بدور بناء في المنطقة قد تبددت كما ظهر في تصرفات إيران في منطقة الشرق الأوسط.
فالقوات الإيرانية لاتزال تحتل الجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة في الخليج العربي بالمخالفة للمادة الثانية من الميثاق. وقد وجهت دولة الامارات العربية المتحدة، من منطلق التزامها بالتسوية السلمية للنزاعات، دعوات عديدة إلى إيران لاستئناف مفاوضات ثنائية، أو إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية، أو اللجوء الى التحكيم الدولي. ولكن هذه النداءات لم تلق آذاناً صاغية حتى الآن.
ولاتزال سائر دول المنطقة تشعر بالانزعاج من الدستور الإيراني الذي يدعو إلى تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول الأخرى. فإيران مستمرة في مخالفة مبادئ المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى كما ورد في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة من خلال مواصلة محاولاتها المتتالية لزعزعة الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
كما أن الميليشيات المسلحة التي تعمل بالوكالة عنها والتي تتسم بالاستفزاز والخطورة وزعزعة الاستقرار لم تتم مواجهتها حتى الآن. ونحن نعتقد أن إيران يجب ان تؤكد التزامها الجدي تجاه الانضمام الى الاسرة الدولية كعضو مسؤول، وان توقف تسليح وتمويل وتمكين الجهات الراديكالية والعنيفة والمتطرفة.
وفي مناطق أخرى، هناك دول تواصل تنفيذ مخططاتها الوطنية بأي ثمن وفي أي إقليم يرغبونه ودون تحمل أية عواقب بالمخالفة لمبدأ أساسي آخر منصوص عليه في المادة الثانية من الميثاق وتأسست عليه منظمة الأمم المتحدة ألا وهو “مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها”.
نحن لم نر أي تنديد أو شجب في الأمم المتحدة لهذه الجهات الفاعلة القوية.
السيدة الرئيسة، إن دولة الإمارات ترى أن شرعية وفعالية الأمم المتحدة يمكن استعادتها. ويسرني في هذا الصدد أن أورد لكم بعضا مما نوصي به في هذا الشأن:
أولا، ندعو إلى تحسين تنفيذ التزامات الدول بموجب قرارات مجلس الأمن، وبذل جهود أكبر لمحاسبة الدول على التزاماتها بموجب تلك القرارات. والأمثلة في منطقتنا تشمل الفشل في تنفيذ القرار 2216 المعني باليمن، وفي تنفيذ القرارات العديدة المعنية بوصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، إلى جانب العدد الكبير من القرارات التي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. فإذا كانت الدول تعجز عن الاضطلاع بمسؤولياتها الواردة بقرارات مجلس الامن، علينا ان نتساءل عن قيمة إصدار قرارات جديدة. إن مصداقية مجلس الأمن على المحك.
ثانيا، نحن نرحب بتركيز الأمين العام في كلمته على الوقاية. يجب على الأمم المتحدة أن تخصص موارد أكثر وأفضل نوعية لدعم جهود الوقاية باعتبارها الأداة الرئيسية لحفظ السلام، ولتعزيز جهود الوساطة والتفاوض والتحكيم والتسوية القضائية، وكذلك لدعم التدخلات التي تتم بموجب الفصل السادس من الميثاق. كما أن زيادة استخدام الأمين العام للصلاحيات المنصوص عليها في المادة 99 من الميثاق ستكون موضع ترحيب ولن تكون بديلة عن مشاركة مجلس الأمن، بل سيتم استخدامها جنبا إلى جنب مع عمل المجلس.
ثالثا، يجب على مجلس الأمن ان ينسق مع المنظمات الإقليمية والدول المتضررة بشكل مبكر وأن ينخرط في مشاورات شفافة، خاصة عندما ينظر المجلس في اتخاذ إجراء. وليس فقط الفصل الثامن من الميثاق الذي يطالب مجلس الأمن بتشجيع المنظمات الإقليمية على حل المنازعات سلميا، بل أن المصلحة الاستراتيجية لمجلس الأمن تقتضي ذلك. كما أن الدول الإقليمية والتي هي الأقرب تاريخيا وسياسيا لهذه الصراعات سيكون لها المصلحة الأكبر في حل هذه الصراعات. غير أنه عندما تكون هناك حالة من التعنت والانقسام في مجلس الأمن، فالأطراف الإقليمية الفاعلة لا تجد خيارا أمامها سوى الرد بحزم لحماية السلطة الشرعية وضمان الاستقرار الإقليمي.
وأخيرا، يجب على مجلس الأمن أن يطبق معيار واحدا على كافة الأطراف الفاعلة وعلى جميع الدول، بما في ذلك الدول التي تقوم بالاحتلال او ترتكب إرهاب الدولة أو تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى. علينا مضاعفة الجهود من أجل تعزيز المساءلة من جانب الدول ذات السيادة، وحماية أولئك الذين يعيشون في مناطق الصراعات وإنهاء الظلم الواقع عليهم.
هذا عام حاسم بالنسبة للأمم المتحدة. ولا شيء سيعكس نوايا مجلس الامن بشأن إعادة المشاركة بقوة في قضايا الشرق الأوسط أكثر من عملية اختياره للمرشح المقبل لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة. إذ تأمل دولة الإمارات وكثير من الدول الأخرى أن يأخذ المجلس في اعتباره وجهات نظر كافة الدول الأعضاء عند اتخاذه لهذا القرار.
وأخيرا اختتم كلمتي بالإعراب عن تمنياتي لفنزويلا بمواصلة النجاح في رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر.
وشكرا!