السيدة الرئيسة،
بدايةً، يسرني الانضمام إلى الزملاء الآخرين للإشادة بالولايات المتحدة ووزير خارجيتها السيد بلينكن على توجيه اهتمام المجلس نحو قضية هامة خلال هذه الفترة الحرجة. فقد أصبح يُشكل انعدام الأمن الغذائي أزمة عالمية لا يمكن استمرارها، وتستوجب توحيد الجهود لمواجهة التحديات المتزايدة على صعيدي الإمداد والتوزيع. وأود في هذا الصدد أن أشكر الأمين العام ومقدمي الإحاطات على آرائهم القيمة. كما أن البيانات التي قدمتها السيدة سارة منكر صادمة، إذ أكدت بكل وضوح مدى الخطر الذي نتعرض له، وكما ذكرت، يتعين علينا العمل بشكل جماعي لمواجهة هذه الأزمة، والتي لا تستطيع أي دولة بمفردها التصدي لها، في ظل عولمة نظامنا الزراعي.
يُعتبر الأمن الغذائي لبلد يستورد 90% من المواد الغذائية أولويةً قصوى، ليس فقط لدولة الإمارات فحسب، وإنما للمنطقة بأكملها. لذلك، نشعر ببالغ القلق إزاء ارتفاع مخاطر انعدام الأمن الغذائي العالمي، والذي يحدث أو يتفاقم بسبب الصراعات وتغير المناخ وجائحة كوفيد-19. ومثلما أكد اجتماع يوم أمس بعنوان “دعوة الى العمل”، فإن علينا التصرف بشكلٍ عاجل وعلى نطاقٍ واسع، وبالتنسيق مع الأطراف الدولية المعنية الأخرى، إذ لا يوجد بلدٌ محصنٌ من هذه الأزمة. لقد استمعنا البارحة إلى القادة الأفارقة الذين وصفوا كيف تواجه أفريقيا بأسرِها، من القاهرة إلى كيب تاون، نقصاً حاداً في الغذاء من شأنه تقويض الاستقرار والأمن والتنمية المستدامة. كما استمعنا جميعاً للأمين العام غوتيريش وهو يدق ناقوس الخطر اليوم قائلاً: إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 30 في المئة، يهدد المجتمعات في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط.
لقد أظهرت بيانات برنامج الأغذية العالمي قبل نشوب النزاع في أوكرانيا، أن هناك حوالي 276 مليون شخص يعانون بالفعل من الجوع الحاد على مستوى العالم. أما الآن، فيتوقع البرنامج أن يرتفع هذا العدد إلى 323 مليون شخص خلال عام 2022. ولا يمكننا أن نتجاهل في هذا الصدد، التأثير المدمر لانعدام الأمن الغذائي وخاصة على الأطفال. فقد أشارت اليونيسف إلى معاناة ما لا يقل عن 13,6 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، الأمر الذي يؤدي لوفاة طفل من بين خمسة أطفال بين هذه الفئة العمرية، إذ لا يمكن ببساطة تحمل هذه الأوضاع أو استيعابها، لاسيما أن مستوى الثروات على هذا الكوكب بلغت 430 تريليون دولار.
لقد وصل مؤشر الأمم المتحدة لأسعار الغذاء هذا العام إلى أعلى مستوىً له على الإطلاق، مؤثراً بذلك على الحكومات والمزارعين وعشرات الملايين من الأشخاص الضعفاء حول العالم، إذ إن ارتفاع أسعار الأسمدة، سيؤدي لتقويض مواسم الزراعة المستقبلية، ممهداً الطريق أمام امتداد أزمة أمنٍ غذائي. وإذا لم يتم مواجهة الأزمة بشكلٍ عاجلٍ وعلى مستوى العالم، فإن المخاطر الناجمة عن الهجرة المحلية والدولية، وتفشي الجرائم، والاتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي، ونشوب الاضطرابات المحلية وحتى الصراعات، ستظل مستمرة.
السيدة الرئيسة،
يضطلع المجلس بدورٍ هام في معالجة انعدام الأمن الغذائي والصراعات، ونود في هذا الصدد أن نقترح على المجلس الإجراءات الثلاثة التالية، من أجل البناء على القرار 2417 الذي تم اتخاذه بالإجماع قبل أربع سنوات.
أولاً: نحن نعلم أن انعدام الأمن الغذائي هو السبب الجذري والمُسرّع لحدوث الصراعات، فضلاً عن تأثيره على من يعيشون في السياقات الهشة أو التي تعاني من الصراعات. لذلك، ينبغي علينا مواصلة الدعوة بقوة لاحترام القانون الإنساني الدولي، وإيصال الإغاثة الإنسانية المحايدة لمن يحتاجونها بشكل سريع ودون تأخير، إلى جانب حماية المؤسسات المدنية الضرورية لضمان حصول المدنيين على المواد الغذائية بشكل كافٍ. بالإضافة إلى ذلك، يجب التأكد من اشتمال العقوبات، وغيرها من القيود، على الإعفاءات الضرورية للمُنتجات الغذائية والزراعية اللازمة للمجتمعات، وعدم إعاقة وصول السلع الأساسية بأي شكلٍ من الأشكال، أو عرقلة مرور الإغاثة الإنسانية المحايدة إلى جميع المحتاجين.
ثانياً: ينبغي على المجلس متابعة ما استجد بشأن دعواته المختلفة، لوضع استراتيجيات تهدف إلى تخفيف مخاطر تغير المناخ والعوامل المضاعفة لهذه التهديدات. وتفخر دولة الإمارات بإطلاقها العام الماضي مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ، بالاشتراك مع الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى. وتعتمد العديد من هذه الاستراتيجيات، في نهاية المطاف، على التمويل الحكومي الدولي لأنظمة الغذاء والماء والحماية الاجتماعية في الدول الهشة. وعلى الرغم من ثبوت جدوى هذه الاستثمارات من حيث التكلفة، إلا أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يشير إلى أن ما يقدر بدولارين فقط لكل شخص من تمويل المناخ، يصل إلى الدول الهشة[A1] . لذلك، فإن تصحيح هذا الأمر، سيشكل مساهمةً كبيرةً تجاه تحقيق الأمن الغذائي، ومنع نشوب النزاعات. وستكون موافقة المجلس على الاستثمار في البيئات الهشة، بمثابة إشارة مهمةً لضرورة تخصيص الموارد في المستقبل.
ونرى في ضوء الكيفية التي تعمل بها مجموعة الدول السبع، فيما يتعلق ببرامج التحول في مجال الطاقة، بالنسبة للدول المعتمدة على استهلاك الفحم، أن الوقت قد حان لإنشاء مسار عمل مماثل متعدد الأطراف، بتيسيرٍ من الأمين العام، حيث يهدف إلى تطبيق نفس المفهوم على الدول الهشة والضعيفة، في ما يتعلق بالتكيف مع تغير المناخ. وسيكون من المهم تحديد وتمويل المشاريع والسياسات الخاصة بكل بلدٍ، والتي من شأنها منع حدوث انعدام الأمن الغذائي.
ثالثاً: على المجلس مواصلة التركيز على الأبعاد المتعلقة بنوع الجنس والعمر في أزمة انعدام الأمن الغذائي، والحصول على إحاطات مستمرة في هذا الشأن، من أجل تحسين فعالية الإجراءات، والدعم المقدم للأشخاص الأكثر تأثراً. إلى جانب ذلك، يجب إنشاء شراكة مناسبة بين القطاعين العام والخاص، لضمان المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة، ضمن جهود تحسين الأمن الغذائي. وتلعب المرأة دوراً أساسياً في تحقيق رفاهية المجتمع، وتعزيز قدرة أفراده على التأقلم والصمود، لاسيما دورها في جهود تحقيق الاستقرار، وضمان التعافي المستدام بعد الصراع.
السيدة الرئيسة،
إن انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم اليوم، واحتمالات تزايد الاحتياجات في المستقبل القريب، يشكلان خطراً واضحاً على السلام والأمن. لذا، فقد حان الوقت الآن لكي نجتمع معاً، ونلتزم باتخاذ خطواتٍ ملموسة، نحو تأمين الغذاء للجميع في كافة أنحاء العالم. كما ينبغي على مجلس الأمن أن يضمن تناسب استجابتنا مع حجم التهديد العالمي الذي نواجهه.
وشكراً.