مشاركة

السيد الرئيس،

يسر دولة الإمارات العربية المتحدة أن تتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى لجنة القانون الدولي على عملها الدؤوب خلال دورتها السادسة والسبعين، على الرغم من ضيق الوقت الناجم عن تقليص مدة الدورة، تؤكد دولة الإمارات أن إسهامات اللجنة تمثل ركيزة أساسية في تنفيذ ولاية الجمعية العامة الرامية إلى تشجيع التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه.

إن أهمية اللجنة ومكانتها الراهنة تعكسان النهج الذي دأبَت على اتباعه في عملها عبر تاريخها، كما أن وجود أساسٍ منهجيٍّ راسخ يشكّل عاملاً أساسياً في استمرار نجاح اللجنة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تحليلات شاملة ودقيقة تستقصي ممارسات الدول، وتحترم الفارق الجوهري بين التدوين والتطوّير التدريجي، وتُولِي الآراء التي تبديها الدول ما تستحقه من عناية واهتمام، وهذا هو الأساس الذي استندت إليه اللجنة في بناء مكانتها المرموقة على مدى عقود من الزمن، وهي مكانة يجب عدم الاستهانة بها أو اعتبارها أمرًا مُسلَّمًا به.

وانطلاقًا من هذه الملاحظات التمهيدية، اسمحوا لي أن أنتقل الآن إلى تناول المواضيع المدرجة ضمن المجموعة الأولى.

وأبدأ أولاً بموضوع “المبادئ العامة للقانون”، حيث يسرنا أن نتقدم بجزيل الشكر إلى المقرّر الخاص، السيد مارسيلو فاسكيث-برموديث، وإلى اللجنة على عملهما خلال السنوات الماضية. 

إن المسائل المتعلّقة بالمصادر تقع في صميم القانون الدولي، وتُقدّر دولة الإمارات ما تبذله اللجنة من جهود متواصلة في هذا الشأن.

ونود أن نُذكّر أن هدف هذا المشروع، كما وصفه المقرّر الخاص في عام 2017، هو تقديم “توضيح موثوق” بشأن طبيعة المبادئ العامة للقانون ونطاقها ووظائفها وكيفية تحديدها، على النحو المنصوص عليه في المادة 38، الفقرة 1 (ج) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. ونرى أن تقديم توضيح موثوق بشأن مسألة أساسية مثل المصادر لا يمكن أن يتحقق من خلال وضع قانون جديدٍ أو تطويره تدريجيًا، بل ينبغي أن يركّز على توصيف الحالة الراهنة للقانون الدولي، المتجذّرة في ممارسات الدول وآرائها.

وتجدر الإشارة إلى أن مشاريع الاستنتاجات المتعلقة بالمبادئ العامة لا تزال تتطلّب مزيدًا من العمل لتحقيق هدفها المنشود، ولدينا في هذا الصدد ثلاث ملاحظات رئيسية.

أولاً، يطرح إدراج فئة المبادئ العامة “التي تشكّلت في النظام القانوني الدولي”، على النحو المقترح في مشروعي الاستنتاجين 3 (ب) و7، تساؤلات مهمة، ونحن نشعر بالقلق من أن هذه الاستنتاجات تفتقر إلى الدعم في ممارسات الدول والاجتهادات القضائية والفقه القانوني، ونتفق في هذا الصدد مع الآراء المماثلة التي طُرِحت داخل كلٍ من لجنة القانون الدولي واللجنة السادسة. كما أن الأمثلة التي أوردها المقرر الخاص دعماً لهذين المشروعين تثير بدورها مزيداً من التساؤلات:

  • يبدو أن بعض المبادئ العامة المزعومة تعكس في واقع الأمر القانون العرفي أو المعاهدات أو كليهما، فعلى سبيل المثال، يُعدّ شرط الموافقة على الولاية القضائية متأصلاً في مفهوم المساواة في السيادة، وهو ما يتجسد بدوره في كلٍّ من المعاهدات والقواعد العرفية، فضلاً عن أن الموافقة على الولاية القضائية معترف بها أيضًا في النظم الأساسية للمحاكم والهيئات القضائية الدولية. ومن الضروري أن يتناول هذا المشروع البحث ما إذا كانت هذه القواعد قد وُجدت كمبادئ عامة مستقلة عن المعاهدات أو الأعراف، لكننا نجد، مع الأسف، عدم تنفيذ مثل هذا التقييم حتى الآن.
  • في حالات أخرى، لا يتوافر ما يكفي من السند لإثبات أن المبدأ قد يشكل” فعليًا ضمن النظام القانوني الدولي. فعلى سبيل المثال، يوجد مبدأ “الاختصاص بالاختصاص” في معظم النظم القانونية الوطنية، إن لم يكن جميعها.

وفي السياق نفسه، نلاحظ أن الأمثلة التي أوردها المقرّر الخاص تستند إلى توصيف محكمةٍ أو هيئةٍ قضائيةٍ دولية لمعيارٍ أو قاعدةٍ ما على أنها “مبدأ”، غير أن هذا الأمر يثير إشكاليات بحد ذاته، إذ نادرًا ما تُحدّد هذه القرارات، إن حدث ذلك أصلًا، ما إذا كان مصطلح “مبدأ” يُستعمل بالإشارة إلى المادة 38 (1) (ج) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، أم أنه يُستخدم بمعناه العام الأوسع.

وبناء عليه، نحثُّ اللجنة على النظر في الآثار المترتّبة على الفئة الثانية من المبادئ العامة فيما يتعلق باليقين والاستقرار في النظام القانوني الدولي، ونؤيد البدائل القابلة للتطبيق التي طُرحت في إطار أعمال اللجنة السادسة، مثل إدراج فقرة “دون المساس” لأي اعتراف مستقبلي بالمبادئ التي تشكّلت ضمن النظام القانوني الدولي بوصفها مصدرًا رسميًا للحقوق والالتزامات، ونطلب كذلك من اللجنة أن تعكس في تعليقاتها التوضيحية الانقسام القائم بين آراء الدول والآراء الفقهية على نحو أكثر شمولًا.

ثانيًا، ودون المساس بموقفنا العام، نود الإشارة إلى بعض المخاوف المتعلقة بالتقييم المقترح في مشروع الاستنتاج 7 لتحديد الفئة الثانية من المبادئ العامة. ، ونرى أن الصعوبة التي واجهتها اللجنة في توفير معايير أكثر دقة إنما تُعَدّ انعكاسًا للمشكلة الأعمّ المرتبطة بوضع فئة ثانية من المبادئ العامة.

وفي مستهل هذه المسألة، نلاحظ أن موافقة الدول تعدّ عنصرًا أساسيًا لإنشاء الحقوق والالتزامات بموجب القانون الدولي، وينطبق هذا الشرط على كلٍّ من المعاهدات والقانون الدولي العرفي على حدٍ سواء، ويجب أن ينطبق بنفس القدر على أي مبدأ عام يشكّل مصدرًا من مصادر القانون الدولي. وبالتالي، ندعو اللجنة إلى إيلاء مزيد من الاهتمام لتوضيح مدلول شرط “الاعتراف” في سياق الفئة الثانية من المبادئ العامة.

وبالانتقال إلى التقييم الوارد في مشروع الاستنتاج 7، نجد أن مصطلح “متجذر/متأصل في” يتّسم بدرجة عالية من الغموض، إذ لا يقدّم التعليق سوى سطر واحد للتوضيح، يُعرِّف فيه هذا المصطلح على أنه مبدأ “خاص” بالنظام القانوني الدولي ويعكس سماته الأساسية وينظّمها، غير أن النقاش القائم في اللجنة حول مدى استيفاء الأمثلة المذكورة لهذه المعايير يبرز قصور هذا التوضيح. بالإضافة إلى ذلك، نرى أن الأمثلة المذكورة في الشرح ليست كلها “خاصة” بالنظام القانوني الدولي، إذ أن بعضها، يعكس ببساطة تطبيق أحد المبادئ المقبولة في النظم القانونية الوطنية على الصعيد الدولي.

الأهم من ذلك أن التقييم الوارد في مشروع الاستنتاج 7 يوضح صعوبة التمييز بين الفئة الثانية من المبادئ العامة والقانون الدولي العرفي، فهناك عدد كبير من القواعد العرفية التي يمكن اعتبارها “خاصة بالنظام القانوني الدولي” وتعكس “سماته الأساسية”، غير أن القواعد العرفية تستند إلى عنصرين أساسيين واضحين، كما أشارت اللجنة في مشاريع استنتاجاتها لعام 2018. من ناحية أخرى، فإن المنهجية التي اقترحتها اللجنة لتحديد الفئة الثانية من المبادئ العامة تنطوي على خطورة تجاوز متطلبات العرف، بما يؤدي إلى إيجاد التزامات لا وجود لها في الأصل، وهذا أمر يثير القلق خاصةً عند قراءته مع مشروع الاستنتاج 10، الذي ينص على أن المبادئ العامة يمكن أن تكون مصدرًا للحقوق والالتزامات الأساسية.

وهذا يقودنا إلى النقطة الثالثة المتعلقة بوظائف المبادئ العامة وعلاقتها بمصادر القانون الدولي الأخرى. وبغضّ النظر عمّا إذا كان هناك تسلسل هرمي رسمي بين هذه المصادر، فإننا نؤيد الرأي الذي يرى أن المبادئ العامة ذات طابع تكميلي، وتؤدي دورًا في سدّ الفجوات، كما أقرّ بذلك المقرّر الخاص في تقريره الثاني. ومن الجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية نادرًا ما أشارت إلى المبادئ العامة للقانون بالمعنى الوارد في المادة 38 (1) (ج) من نظامها الأساسي، وغالبًا ما وردت الإشارة إليها في سياق القواعد الإجرائية. وينبغي النظر في مشروعي الاستنتاجين 10 و11، وتعليقاتهما، في هذا الإطار.

  • فيما يتعلق بالفقرة 2 (ب) من مشروع الاستنتاج 10، ندعو اللجنة إلى توضيح المبادئ العامة التي يمكن اعتبارها مصادر للحقوق والالتزامات الأساسية، إن وجدت.
  • بالنسبة للفقرة 3 من مشروع الاستنتاج 11، ندعو اللجنة إلى النظر فيما إذا كان التعارض بين مبدأٍ عام ومعاهدة أو عرفٍ أمرًا ممكنًا في الأساس، لا سيما بالنسبة للفئة الثانية المقترحة من المبادئ العامة.

وأخيرًا، نرحب بجهود اللجنة الرامية إلى توضيح مفهوم المبادئ العامة للقانون المستمدة من النظم القانونية الوطنية، ونتفهم أن هذه الفئة تشير إلى المبادئ المشتركة بين مختلف النظم القانونية في مختلف أنحاء العالم، والتي ينبغي أن تُعطى نفس الأهمية، ونأمل أن تتناول النتيجة النهائية لعمل اللجنة المسائل العالقة المتصلة بالاعتراف بهذه المبادئ وتحديدها وتطبيقها.

السيد الرئيس،

وفيما يتعلق بموضوع “ارتفاع مستوى سطح البحر في ضوء القانون الدولي”، نهنئ فريق الدراسة على إنجاز عمله واعتماد اللجنة للتقرير الختامي، فمن شأن هذا التقرير أن يسهم في تعزيز الحوار، بما في ذلك خلال الجلسة العامة رفيعة المستوى للجمعية العامة في دورتها الحادية والثمانين.

يشكّل ارتفاع مستوى سطح البحر المرتبط بتغير المناخ تهديداً خطيراً للأرواح والثقافات والنظم البيئية والاقتصادات. وتستحق الآثار الوجودية المترتبة عليه، لا سيما بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة النامية، اهتماماً عاجلاً من المجتمع الدولي، ونحن نتضامن تضامناً كاملاً مع المتضررين، ونجدد التأكيد على التزامنا باتخاذ إجراءات شاملة وفعالة ومستجيبة.

وباعتبارها دولة ذات سواحل ممتدة، فإن دولة الإمارات ليست بمنأى عن آثار ارتفاع مستوى سطح البحر، إذ أن حوالي 85% من سكاننا وأكثر من 90% من بنيتنا التحتية تتركز في المناطق الساحلية المنخفضة. ومن وجهة نظرنا، فإن أي استجابة فعّالة لتأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر يجب أن ترتكز على عمل جماعي يراعي اختلاف قدرات الدول وظروفها.

من الناحية القانونية، يطرح ارتفاع مستوى سطح البحر عدداً من المسائل المستحدثة التي لا توجد لها سوابق توجيهية، وإن وُجدت فهي قليلة، ونشير في هذا الصدد إلى ما تضمنه التقرير النهائي من عرضٍ للأطر القانونية وممارسات الدول التي قد تكون ذات صلة بهذه القضايا، كما نعرب عن تقديرنا لجهود فريق الدراسة في اقتراح حلول عملية واستشرافية دون إضفاء طابع إلزامي عليها، ونرى أن هذا النهج أكثر ملاءمة من إعادة صياغة قواعد قانونية مستقرة. ونرحب بدراسة هذا الموضوع من خلال فريق دراسة، ونعتقد أن هذا الأسلوب يمكن أن يشكّل نموذجًا يمكن الاسترشاد به في أعمال اللجنة المستقبلية في مجال التطوّير التدريجي للقانون الدولي.

وأخيراً، ننظر باهتمام إلى إدراج موضوعين جديدين في برنامج العمل، هما “التعويض عن الأضرار الناجمة عن الأفعال غير المشروعة دولياً” و”العناية الواجبة في القانون الدولي”، ونتطلع إلى التعاون مع اللجنة بشأن هذين الموضوعين.

شكراً لكم.