مشاركة

تلقيه الآنسة/ إيمان المنهالي 

14 أكتوبر 2025 

السيد الرئيس، 

تحية طيبة وبعد،، 

تجدّد دولة الإمارات العربية المتحدة تقديرها لعمل لجنة القانون الدولي بشأن مشروع المواد المتعلقة بمنع الجرائم ضد الإنسانية والمعاقبة عليها؛ إذ تمثّل هذه المواد، إلى جانب مختلف المقترحات والتعليقات المقدَّمة من الحكومات حتى الآن، منطلقاً للمرحلة التالية من جهودنا المشتركة. وفي هذا الإطار، تؤكد دولة الإمارات استعدادها للمشاركة في أعمال اللجنة التحضيرية، التي ستضطلع بدورٍ محوري في التحضير لمؤتمر الأمم المتحدة للمفوّضين المعني بمنع الجرائم ضد الإنسانية والمعاقبة عليها. 

وفي إطار العمل المستقبلي، تؤكد دولة الإمارات أهمية التوصّل إلى توافقٍ واسعٍ في الآراء، انطلاقاً من قناعتها بأن صياغة أي اتفاقية تُعنى بمنع الجرائم الدولية والتصدي لها يجب أن يكون أساساً للعمل الجماعي لا ساحةً للمواجهة، وذلك من خلال ترسيخ التزامنا الجماعي وقدرتنا المشتركة على منع ارتكاب هذه الجرائم الجسيمة ومعاقبة مرتكبيها. 

ولتحقيق هذا الهدف، من الضروري أن تُحدَّد مضامين الالتزامات ذات الصلة بوضوحٍ ودقّةٍ، بما يتيح للدول فهم متى ينبغي عليها أن تتحرك، وسُبل تنفيذ ذلك، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في إرساء نهج موحد في تنفيذ هذه الالتزامات ويحول دون وقوع اختلافات أو نزاعات غير ضرورية بين الدول بشأن تفسيرها. 

واسمحوا لي أن أقدّم بعض الأمثلة الملموسة التي قد تستدعي مزيداً من التشاور في هذا الشأن. 

أولًا، فيما يتعلّق بتعريف الجرائم ضد الإنسانية، فإن دولة الإمارات لا تشكّك في الجوانب الأساسية للمادة الثانية من مشروع المواد، إذ يتضمن قانوننا الوطني المتعلق بالجرائم الدولية تعريفاً مماثلاً، غير أن هناك تباينات جوهرية لا تزال قائمة بين الدول الأعضاء بشأن بعض عناصر التعريف، من بينها ما يتعلّق بالفئات التي يمكن أن تكون عرضةً للاضطهاد كجريمة ضد الإنسانية. 

ثانياً، ينبغي توضيح حدود الالتزامات المتعلقة بمنع الجرائم ضد الإنسانية وعدم ارتكابها الواردة في المادة الثالثة من مشروع المواد. وفي هذا السياق، تؤكد دولة الإمارات أن فهم نطاق هذه الالتزامات لا يمكن أن يستند حصراً إلى الممارسة القضائية لمحكمة العدل الدولية فيما يتعلق باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، نظراً لخصوصية وقائعها، ومن ثمّ، فإن تحقيق قدرٍ كبير من التوافق والوضوح في هذا الإطار يظلّ أمراً أساسياً لضمان القدرة على التنبؤ واليقين القانوني. 

ثالثًا، ينبغي أن تتضمن الاتفاقية الخاصة بالجرائم ضد الإنسانية إطاراً إرشادياً واضحاً بشأن تمييز هذه الجرائم عن غيرها من الأفعال الإجرامية. وفي هذا السياق، قد توفر الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الجنائية الدولية، كما أُشير إليها في التعليقات المرافقة لمشروع المواد، إسهاماً محدوداً، نظراً لأن نطاق عمل تلك المحاكم اقتصر، في الغالب، على حالاتٍ واضحة تتّسم بدرجة قصوى من الخطورة. كما تتضمّن الأطر المؤسسية لهذه المحاكم معايير محدّدة لخطورة الجريمة. 

وبناءً عليه، نادراً ما تعاملت هذه المحاكم مع حالات – إن وُجدت – تستدعي تمييزاً واضحاً بين الجرائم ضد الإنسانية والجرائم العادية، كتلك التي ترتكبها العصابات أو التنظيمات الإجرامية. في المقابل، فإن الاتفاقية التي لا تتضمّن معياراً واضحاً لحدٍّ أدنى من الخطورة القصوى قد تواجه إشكالات في التفسير. وفي ضوء ذلك، ينبغي النظر فيما إذا كان من المناسب أن تتضمّن الاتفاقية شكلاً من أشكال معيار الخطورة، أو على الأقل مؤشراتٍ تساعد على تحديد النقطة التي يتجاوز عندها السلوك الإجرامي العادي مستوىً من الجسامة يستدعي تحمّل الدولة مسؤوليتها في منع الجرائم ضد الإنسانية، إذ أن إدراج هذه العناصر يسهم في الحفاظ على مستوى الخطورة المميِّز لهذه الجرائم، وحمايتها من أي تفريغٍ أو انتقاصٍ من مضمونها. 

وختاماً سيدي الرئيس، 

تتطلّع دولة الإمارات إلى التعاون مع الدول كافة بهدف التوصّل إلى أوسع قدر ممكن من التوافق حول المسائل الموضوعية، وتأمل، في هذا الإطار، أن تحظى هذه الجهود بمشاركة واسعة من الدول. 

شكراً سيدي الرئيس