مشاركة

السيد الرئيس:

اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بالتهنئة إلى جمهورية بولندا على توليها رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر، وعلى عقدها لهذه المناقشة الهامة بشأن موضوع احترام القانون الدولي وتدعيمه. إن وجودنا هنا لساعة متأخرة من هذا المساء دليل على الاهتمام الكبير الذي يوليه الدول الأعضاء لهذا الموضوع.

كما نوجه الشكر إلى السيدة/ ماريا فيوتي، رئيسة مكتب الأمين العام، والقاضي/ هيساشي عوادة، والقاضي/ تيودور ميرون على احاطاتهم القيمة التي قدموها.

تشارك دولة الإمارات في هذه المناقشة لكون المبادئ الأساسية التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بإطاره الأوسع هي ذات المبادئ التي ترتكز عليها السياسة الخارجية للإمارات العربية المتحدة. وبالنسبة للدول الصغيرة، فإن النظام المتعدد الأطراف المبني على القواعد والقانون الدولي ضروريان لضمان حصولنا على حقوق متساوية باعتبارنا جزءاً من المجتمع الدولي، ولحمايتنا من جميع أشكال إساءة استخدام القوة والهيمنة من قبل البعض.

ولذلك، تشعر دولة الإمارات ببالغ القلق إزاء تراجع احترام القانون الدولي حول العالم، وترى أن عالم بدون نظام دولي قائم على القواعد هو عالم يسوده الفوضى وعدم الاستقرار، وتنشط فيه العناصر المارقة التي تستهين بالقواعد والأعراف الدولية وتفلت من العقاب. عالم تتعرض فيه العلاقات القائمة على الثقة بين البلدان إلى الانهيار، وتُترك الفئات الأشد ضعفاً في المجتمعات للمعاناة دون أي فرص للجوء للعدالة.

ولا توجد منطقة في العالم يتعرض فيها احترام القانون الدولي للتحديات مثلما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، والتي سأتطرق إليها في بياني، حيث أكدت التطورات الأخيرة التي حدثت في المنطقة خلال هذا الأسبوع تلك الحقيقة.

فقد شهدنا كيف كان الوضع مأساويا في غزة في الرابع عشر من مايو، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 60 من المدنيين الأبرياء الفلسطينيين من قبل دولة عضو بالأمم المتحدة، إن حياة هؤلاء الضحايا – رجالاً ونساء وأطفالا – ليست أقل إنسانية من حياة أي شخص في هذا المجلس، أو في أي دولة عضو بهذه المنظمة، ومن خلال تقاعس هذا المجلس، عُومل هؤلاء الضحايا وكأنهم أقل إنسانية منا، وأقل معاناة، أو كأنهم يحزنون على فقدان أحبائهم بطريقة تختلف عنا. لا أحد يملك الحق كي ينزع إنسانية أي شخص آخر بهذه الطريقة. إن الأحداث الأخيرة التي وقعت على حدود غزة تشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الإنساني ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتغاضى عنها أو يتجاهلها. كما أن استمرار الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة يمثل تحديا صارخا للقانون الدولي وللعديد من قرارات مجلس الأمن.

تؤمن دولة الإمارات أن من حق كلا الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، إقامة دولة، ولكن عندما يتم تجاهل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بشكل متكرر، ويفقد أبرياء حياتهم بتهور وعنف، فإن ذلك يؤدي إلى إضعاف نسيج القانون الدولي وتقويض الإطار الدولي الذي يمكن من خلاله تحويل هذا الأمل إلى واقع ممكن.

إن تحدي القانون الدولي لا يقتصر فقط على فلسطين. ففي سوريا، لايزال الشعب السوري يعاني منذ سبع سنوات من هجمات الأسلحة الكيماوية ومن الحرمان من الحصول على المعونات الإنسانية، وهي تصرفات تشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي، وندعو في هذا السياق جميع أطراف النزاع إلى وقف مثل هذا السلوك ومحاسبة الجناة. وفي ضوء تقاعس مجلس الأمن عن اتخاذ إجراء بشأن سوريا، تؤكد دولة الإمارات على دعمها لمدونة السلوك الخاصة التي أطلقتها مجموعة المساءلة والاتساق والشفافية ACT، التي تدعو أعضاء مجلس الأمن إلى عدم التصويت ضد أي مشروع قرار ذي مصداقية يهدف إلى منع أو وقف ارتكاب الفظائع الجماعية.

ولا يقتصر الأمر على سوريا وحدها، ففي مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط نرى استخفاف إيران بالقانون الدولي وبأنظمة عقوبات مجلس الأمن في إطار مساعيها لتنفيذ مخططها الإقليمي لبسط نفوذها في المنطقة. إن سلوك إيران يخالف المبدأ الاساسي للقانون الدولي المعني بعدم التدخل، ودعمها للجماعات الإرهابية في المنطقة يخالف عدة قرارات لمجلس الأمن. ولقد أدركت مؤخرا الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحقيقة وقررت على إثرها الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ويتعين على الدول الأخرى أن تطبق نفس المعايير على إيران.

ولا يزال تمويل ودعم التطرف والإرهاب مستمراً في منطقتنا وحول العالم، الأمر الذي من شأنه تهديد سيادة القانون. ولذلك، يجب مساءلة جميع الدول التي تمارس مثل هذا السلوك من خلال قرارات مجلس الأمن، ورصد التدفقات المالية. وإذا لم يقم المجتمع الدولي بإخضاعها للمساءلة، فللدول حقا سياديا في التصرف بشكل مستقل دفاعاً عن أمنها، وهو ما قمنا به وقام به الآخرون.

ويتعين علينا أن ندرك بصورة أساسية أن القواعد والمعايير التي يتكون منها إطار القانون الدولي تكتسب قوتها من التزام جميع الدول الأعضاء بالدفاع عنها والتمسك بها. ولذلك، فإن دولة الإمارات على أتم الاستعداد للاضطلاع بدورها في تعزيز ركائز القانون الدولي، بما في ذلك تحسين جهودنا لممارسة ما ننصح به الآخرين. كما سنواصل بذل قصارى جهدنا في اليمن لضمان وصول المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها، في الوقت الذي نقوم فيه بعمليات بناء على طلب من الحكومة الشرعية في اليمن.

وتؤيد دولة الإمارات ما جاء في بيان رئيس جمهورية بولندا هذا الصباح بأن الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة يتضمن “أفضل الوسائل المتاحة أمام المجتمع الدولي للتصرف في حالات الخلاف والصراعات الوشيكة”.

السيد الرئيس:

لقد طلبت من الدول الأعضاء تقديم توصيات عملية لمناقشة اليوم. ومن أجل توفير دعم أفضل للإجراءات الواردة بالفصل السادس، تقترح دولة الإمارات أن يطلب مجلس الأمن من الأمين العام إعداد تقرير عن الوسائل المختلفة لتسوية المنازعات التي تناولها هذا الفصل، حيث سيكون هذا التقرير سيكون بمثابة مرجع تعتمد عليه جميع الدول الأعضاء ويتضمن ما يلي:

  • استخدام وممارسة هذه الوسائل في التخفيف من حدة النزاعات التي عُرضت على الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة.
  • الدروس المستفادة من ممارسة هذه الوسائل في حل النزاعات الحالية والمستقبلية.
  • توفير التوجيه للدول الأعضاء بشأن كيفية تطبيق هذه الوسائل.

السيد الرئيس:

نمر اليوم بمنعطف هام سيحدد ما إذا كنا سنواصل العمل ضمن الأطر الدولية والمؤسسات المتعددة الأطراف القائمة على القانون الدولي التي بنيناها معاً، أم سنسمح للدول بالتلاعب بهذه المعايير المتفق عليها وتجاهلها.

وتؤمن دولة الإمارات بأن الاستجابة الوحيدة يجب أن تكون جماعية، وأن التزامنا المشترك تجاه القانون الدولي يجب أن يكون أول مبدأ نتفق على التمسك به من أجل حماية النظام القائم على القواعد الذي يدعم أمننا الجماعي ويمنع ويلات الحرب.

وشكرا!