مشاركة

شكراً لكم، معالي الأمين العام، على إطلاق حملتكم “اتحدوا” في عام 2008 التي تهدف الى إنهاء العنف ضد المرأة. كما أتقدم بالشكر إلى سعادة فمزيلي ملامبو نغكوكا، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، وسعادة باباتونديه اوسوتيميهن، المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، على التزامكما الكبير وعلى الجهود العالمية لدعم النساء والأُسر. وأشكر أيضاً السيدة شيرلين مكراي، سيدة نيويورك الأولى على وجودكم معنا وعلى تمثيلكم للمدينة الرائعة التي تستضيفنا اليوم. كما أود أن أشكر جميع المتحدثين الموقرين، الدكتور غوستافو جالك، والسيدة تيري هاتشر والآنسة آيلا غوكسل، والى جميع الفنانين الموجودين هنا اليوم للوقوف معنا أمام العنف ضد النساء في جميع أنحاء العالم.

نحتفل هذا العام ليس فقط باليوم الدولي لإنهاء العنف ضد المرأة فحسب، بل أيضاً بالذكرى السنوية العشرين لإعلان القضاء على العنف ضد المرأة. ورغم هذه الإنجازات، إلا أن نسبة شيوع العنف ضد المرأة – المرتكب في المنزل أو من قبل مجتمع أو دولة ما – لا تزال عالية جداً في كل جزء من أجزاء العالم.

إن جميعنا على علم بالإحصائيات القاتمة عن العنف ضد المرأة – غير أن علينا ذكرها مرارا وتكرارا حتى تتغير هذه الإحصائيات. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن العنف المرتكب ضد النساء يُعتبر “مشكلة صحية عالمية ذات أبعاد وبائية”. كما تشير هيئة الأمم المتحدة للمرأة الى أن واحدة من بين كل ثلاث نساء في العالم تعرضت في العام الماضي للعنف الجسدي أو الجنسي – على يد الزوج، في أغلب الأحيان. وفي عام 2012 وجد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن ما يقرب من 50 في المائة من ضحايا القتل من النساء قُتلن على يد أزواجهن أو أفراد أسرهن. بينما شكل الرجال نسبة 6 في المائة من ضحايا القتل في ظروف مماثلة.

عند خضوع أكثر من نصف سكان العالم للعيش في خوف، أو العيش مع عواقب العنف، أو في أسوء الحالات – فقدان أرواحهم، فإن هذا الأمر ليس مشكلة للنساء فحسب، بل انه يمثل مشكلة لجميعنا – الأسر والجماعات والمجتمعات والدول. إذا كانت هذه الأعمال تُرتكب في جميع أنحاء العالم، فإن عواقبها ستكون عالمية أيضا.

إننا بحاجة بالفعل الى النظر في استراتيجيات جديدة ونُهج أكثر شمولية من شأنها أن تعالج الأسباب الجذرية للمشكلة وتُمكّن المرأة، بوصفها عنصراً ذاتياً للتمكين والأمان، للعيش من دون تهديد بالعنف. وتشير أدلة جديدة في مجلة لانسيت (The Lancet) أنه بغض النظر عن أشكال العنف المرتكبة ضد المرأة، فإن طبيعة البرامج ذات الفائدة في هذا الشأن تكون “تشاركية وتشمل عدداً كبيراً من أصحاب المصلحة، وتدعم المناقشات الهامة عن العلاقات بين الجنسين وقبول العنف، وتعزز الاتصال بين أفراد الأسرة والمشاركة فيما بينهم في صنع القرارات”.

ومن وجهة نظر الإمارات العربية المتحدة، فإننا نحاول تناول المشكلة بصورة شمولية على مستوى الدولة والمجتمع عن طريق التركيز على مبادرات الوقاية من العنف ونشر الوعي والحماية ومبادرات السياسات العامة. كما نضمن، بموجب القانون، بأن تكمل الفتيات تلقي تعليمهن حتى نهاية المدرسة الابتدائية، ونقوم بنشر الوعي عن المضايقات الجنسية في أماكن العمل وعن حقوق النساء القانونية. كما يجب توفير العلاج النفسي-الاجتماعي والدعم التأهيلي للنساء المتضررات وأسرهن. إلا أننا لا نزال في طور وضع سياسة أكثر شمولية عن العنف المنزلي، ورغم صعوبة التحدث عن هذا الموضوع، غير أننا بدأنا بمناقشته بالفعل. وقد وافق مجلس وزراء دولة الإمارات في شهر أغسطس على تفعيل سياساتنا العامة والهياكل القانونية في هذه المسألة بهدف بناء الشفافية وتغيير الممارسة المتّبعة على المستوى الوطني.

ومهما كان حجم التقدم المحرز على المستوى الوطني في هذا الشأن، فإن من المؤسف القول إن هذه المشكلة هي مشكلة عالمية تتطلب استجابة عالمية. كما يتوجب علينا مقاومة جهود تسييس هذه المسألة وفرض التعريفات التي تقترح أن العنف ضد المرأة يرتبط الى حد ما بجماعات أو ثقافات أو أديان أو مناطق محددة. إن هذا ليس بالأمر الصحيح.

إن علينا بصورة أساسية أن ننظر الى الحلقة الكاملة لحياة المرأة – من التعليم الى الصحة والعمل والأسرة والعلاقات الاجتماعية – وأن ندرس السبل التي يمكن للأفراد والمجتمعات من خلالها إنهاء العنف. كما يتعين توسيع هذه الجهود لتشمل سياقات أكثر تعقيداً، على سبيل المثال، العنف الجنسي في مناطق الصراعات، ولتواجه الاتجاهات الجديدة للعنف ضد النساء التي يرتكبها المتطرفون مثل جماعة داعش في منطقتنا التي تستهدف بوحشية حقوق النساء وحرياتهن كجزء من عقيدتهم السادية. إن التحدي الرئيسي في هذه الحالة يكمن في ضمان أنه بينما نعمل على إنهاء العنف ضد المرأة، فإن علينا أن نحرص على الحفاظ على التوازن بين حماية سلامة المرأة وحقوقها وبين محاولة تجييش هذه الحقوق. كما أود أن أشكر سعادة زينب بانغورا، الممثلة الخاصة للأمين العام عن العنف الجنسي في حالات الصراع، على عملها الرائع في هذه القضايا.

إن نجاح هذه الجهود يتطلب مشاركة الأنظمة الحكومية، وبناء المساواة في الهياكل التعليمية والصحية والثقافية والقضائية والأمنية والاقتصادية كي تصبح ثقافة المساواة بين الجنسين واحترام النساء والفتيات أمراً طبيعياً وليس استثناء. إلا أن هذا سيتطلب منا بصورة فردية وعلى صعيد المجتمع أن نلتزم بتغيير الأنماط التي نتّبعها وتغيير تصوراتنا وسلوكنا باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي، والحوار من أجل كسر الصمت، وكذلك تنفيذ العمل البعيد الأجل من قبل القيادات الدينية والمجتمعية والمدارس ومنظمات المجتمع المحلي، بالإضافة الى دعم جمع البيانات والأبحاث عن أفضل الممارسات في هذا الشأن.

كما سيتطلب الأمر مشاركة الرجال والأولاد. وفي هذا الصدد، نشيد بجهود الأمين العام وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بإطلاق حملة “هو من أجلها” للتركيز على المساهمات التي يمكن للرجال والأولاد تقديمها في قضية المساواة بين الجنسين.

وقد كان سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير خارجية دولة الإمارات، أول رجل في الإمارات العربية المتحدة أعلن بفخر التزامه بهذه القضية الهامة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في شهر سبتمبر الماضي.

 إن الحل الدائم الوحيد لمشكلة العنف ضد المرأة هو أن نقوم ببناء مجتمعات تمكّن وتحترم النساء، كل يوم وفي كل جزء من أجزاء العالم. وفي الختام، نود أن نكرر النداء الذي وجهته سعادة فمزيلي ملامبو نغكوكا عند إعلان اجتماع هذا العام عبر الإنترنيت وهو إن “علينا أن نجعل من عام 2015 عاما نشهد فيه بدايةً لنهاية انعدام المساواة بين الجنسين – لقد آن أوان العمل”، وهذا هو وقتنا للعمل.

وشكراً!