مشاركة

يلقيه سعادة السفير محمد أبوشهاب، المندوب الدائم ورئيس المجموعة العربية لشهر مايو

السيد الرئيس،

يشرفني أن أتحدث اليوم نيابة عن المجموعة العربية في هذه المناقشة الهامة، وأن أتقدم بالشكر لجميع مقدمي الإحاطات على بياناتهم القيمة.

السيد الرئيس،

إن الالتزام بقواعد حماية المدنيين في كل حالة من حالات النزاع المسلح هو أمرٌ غير قابل للتفاوض، ويشمل ذلك قطاع غزة الذي يتعرض فيهْ المدنيون الفلسطينيون لاستهدافٍ متعمد وممنهج.

لقد قَتل العدوان الإسرائيلي أكثر من35,000   فلسطيني، وجَرح أكثر من 78,000   آخرين، كما شرَّد أكثر من 75% من سكان القطاع، ودمَّر أكثر من نصف المباني، بما فيها 360,000   وحدة سكنية.

إلا أن هذه الأرقام لا تصوّر الحجم الفعلي لهذه المأساة، فوراء كل رقمٍ هناك أرواح سرقت، وأشخاص هجّروا، وعائلات أبيدت ومحيت بالكامل من السجلات المدنية.

لم تكن أعداد الضحايا لترتفع لهذه المستويات المفزعة لو التزمت إسرائيل بأحكام القانون الدولي الإنساني وتحملت مسؤولياتها كقوة قائمة بالاحتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، ولو استجابت اسرائيل للأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضدها بشأن اتفاقية منع الإبادة بدلاً من تجاهلها الصارخ لهذه الأوامر.

إن الوضع المروّع في غزة اليوم هو نتيجة مباشرة للهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية، وللقيود الخانقة المفروضة على إدخال المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية.

لقد تسبب الوضع الحالي في ارتفاع غير مسبوق في مستويات انعدام الأمن الغذائي وعرَّض أكثر من نصف مليون فلسطيني للمجاعة مع استمرار إسرائيل في استخدام التجويع كسلاحِ حرب.

وما يزيد الوضع بشاعةً استهداف العاملين في المجال الإنساني، ليصبح القطاع أكثر الأماكن خطورة على وجهْ الأرض لهؤلاء الأبطال الذين يخاطرون بحياتهم لإغاثة المحتاجين.

وقد وصلت هذهِ الاعتداءات مرحلة خطيرة للغاية، حيث طالت قوافل المساعدات ومقرات المنظمات الإنسانية بما فيها مقر الأونروا في القدس الشرقية المحتلة.

إن مثل هذه الهجمات المتكررة تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وتتطلب تحقيقاً فورياً وشفافاً لمحاسبة المسؤولين عنها.

وتزداد الشواغل مع تصعيد إسرائيل الأخير والخطير في رفح وقيامها بإغلاق المعبر على الجانب الفلسطيني والسيطرة عليه بالقوة ودون حق، متجاهلةً التزاماتها وفقاً للقانون الدولي، إذ أصبح مخزون الوقود على وشك النفاد، الأمر الذي سيتسبب في شلل حركة المساعدات الإنسانية وسيعطل بشكلٍ شبه كامل الخدمات الأساسية في القطاع. واضطرار الأونروا تعليق عمليات توزيع المواد الغذائية في رفح بسبب شح الموارد والحالة الأمنية يوضح مدى تدهور الأوضاع.

السيد الرئيس،

حين اعتمد هذا المجلس في عام 1999 قراره الأول بشأن حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، أقر بتأثير العنف على النساء والأطفال بشكلٍ خاص.

وها نحن، بعد 25 عاماً على اعتماد هذا القرار، نلمس هذه الحقيقة بشكلٍ صادم في غزة، حيث يشكل الأطفال والنساء غالبية الضحايا، بل إن أعداد الأطفال الذين قتلوا في هذه الحرب يفوق إجمالي عدد الأطفال الذين قتلوا على مدى أربعة أعوام في جميع النزاعات حول العالم.

أما من نجى منهم فيعاني أسوأ الظروف، حيث أصبح أطفال غزة أكثر جيل تعرض لبتر الأطراف في التاريخ. وحسب اليونيسيف، يعاني 90% من أطفال غزة دون سن الخامسة من مرضٍ أو أكثر، فيما يعاني 16% من الأطفال دون سن الثانية من الهُزال والتقزُّم، وهذا الى جانب الصدمات النفسية وتأثيرها المدمر عليهم وعلى ذويهم والمجتمع بأكملهْ.

كما تواجه النساء في غزة، خاصةً الحوامل والمرضعات، مخاطر جسيمة، في ظل غياب شبه تام لأبسط مقومات الحياة مثل الغذاء والمياه والرعاية الصحية.

ولم يسلم من هذه الحرب أيضاً لا الصحفيين ولا الأطباء ولا كبار السن وذوي الإعاقة.

وهنا، لا بد من المطالبة بإجراء تحقيق دولي مستقل وفوري في التقارير المفزعة حول اكتشاف مقابر جماعية، وتقديم الجُناة إلى العدالة، حتى لا يفلت أحدٌ من العقاب.

السيد الرئيس،

لقد طالت الانتهاكات الإسرائيلية كافة أرجاء الأرض الفلسطينية المحتلة، ففي الضفة الغربية، قتلت القوات الإسرائيلية والمستوطنين منذ أكتوبر الماضي 480 فلسطينياً، من بينهم 116 طفلاً، وتم جرح 5,040، أغلبهم بالرصاص الحي. وشرد نحو 1,950   فلسطيني، جراء هدم المنازل وعنف المستوطنين.

إن ما يحدث في غزة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة لا يمكن السكوت عنه أو القبول باستمرارهْ.

يجب على مجلس الأمن تحمل مسؤولياته، والنظر جدياً في توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وفقًا لولايته المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

كما تدين المجموعة العربية الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية وتطالب بمنع تكرارها.

وبالمثل فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي المستمر على القرى المدنية الآمنة في جنوب لبنان والذي يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، بما يشمل القانون الدولي الإنساني، حيث أدى لمقتل أكثر من 80 مدنياً، من بينهم صحفيين وعمال إغاثة ونساء وأطفال ومُسنّين، وتدمير بنية تحتية مدنية وبلدات بمعظمها، وتهجير أكثر من 93,000 لبناني، فضلاً عن قصف الجنوب اللبناني مراراً بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً.

وفي سياق مخرجات الدورة العادية الثالثة والثلاثين للقمة العربية التي عقدت في مملكة البحرين يوم 16 مايو، تطالب المجموعة العربية بما يلي:

أولاً، تحقيق وقف فوري لإطلاق النار في غزة، ووقف قوات الاحتلال الإسرائيلية لعملياتها العسكرية في القطاع وانسحابها منه، بما يشمل معبر رفح. وتشيد المجموعة بجهود جمهورية مصر العربية ودولة قطر للتوصل لهدنةٍ إنسانية لتخفيف المأساة في غزة، ووقف التصعيد واستهداف وتهجير المدنيين، وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين.

ثانياً، ضمان إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق، وفتح جميع المعابر بشكلٍ كامل، وتسهيل دخول الإمدادات التجارية للوفاء باحتياجات سكان القطاع.

ثالثاً، السماح لوكالة الأونروا وسائر المنظمات الإنسانية بالعمل بحرية ودون أي تقييد لولاياتها، خاصة في ظل العوائق المستمرة من الجانب الإسرائيلي، ودعم جهود المنسق الخاص سيغريد كاغ وتسهيل عملها.

ورابعاً، اتخاذ تدابير فعالة للمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

وختامًا، نشدد على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بما فيها الجولان السوري وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام1967 وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.

وشكراً، السيد الرئيس.