مشاركة

السيد الرئيس،

أشكر معالي عبدالله شاهد على إدارته المتميزة لأعمال الدورة السابقة، وأهنئ معالي سابا كوروسي على ترؤس أعمال هذه الدورة، مع تمنياتنا لكم بالتوفيق والسداد.

ونحن على أعتاب مرحلة جديدة للنظام الدولي، خيارُنا في دولة الإمارات أن يكون شعار هذه المرحلة هو السلام والتعافي والازدهار ضمن إطار نظام عالمي منفتح، قائم على شبكة متينة من العلاقات الدولية التي ندشّن فيها مسارات جديدة للتعاون المشترك في مجالات الاقتصاد والتنمية المستدامة والتكنولوجيا المتقدمة والبحث العلمي. فهذا هو النهج الذي تتبعه بلادي في تنفيذ سياساتها الخارجية، والذي يحكُم علاقاتنا الثنائية ومشاركاتنا في الأطر متعددة الأطراف، وهو أيضاً النهج الذي يُلهِم توجهاتِنا خلال عضويتِنا الحالية في مجلس الأمن.

ولكننا ندرك حجم التحديات الجسيمة الماثلة أمامنا اليوم وما نراه من استقطاب متزايد يُخيّم على النظام الدولي إثرَ ارتفاع وتيرة الأزمات وظهور بؤر جديدة للنزاعات حول العالم، يصاحبُها تصاعد خطير لأنشطة الجماعات المسلحة، في الوقت الذي تعصف فيه أزمات الغذاء والمناخ بشعوب العالم، مهددةً بتقويض مكتسبات الحضارة الإنسانية، ناهيكم عن شدة وقع هذه التهديدات على الدول الفقيرة والنامية وقدرتها على تلبية احتياجات مواطنيها.

وفي حين أثارت هذه القضايا جميعها تساؤلات حول مدى فاعلية النظام الدولي الحالي، إلا أن هذا النظام الذي بني على أنقاض الحرب العالمية الثانية ساهم في تعزيز الأمن والاستقرار الدوليين إلى حدٍ كبير.

ولكن ما نحتاجه اليوم هو إعادة الثقة بهذا النظام الدولي وبشرعية مؤسساته عبر تعزيز كفاءاته وقدراته على معالجة الأزمات الراهنة وتجاوز التحديات الوجودية للقرن الحادي والعشرين، حيث تؤمن بلادي بأننا نمتلك – نحن الدول الحاضرة في هذه القاعة – القدرة على فعل ذلك، إذا ما عقدنا العزم وسخرنا ما لدينا من إمكانيات لرسم مستقبل أفضل لشعوبنا.

ومن هذا المنطلق، أود التأكيد على جملةٍ من المسائل التي ينبغي أن نركز عليها في الفترة المقبلة:

أكدت مجريات الفترة الماضية على الحاجة لاحترام القانون الدولي لاسيما ميثاق الأمم المتحدة، وأن يتم تطبيقه باتساق وبدون معايير مزدوجة أو انتقائية، باعتباره أساساً لا غنى عنه لضمان وجود نظام دولي مستقر وآمن، قائم على احترام سيادة الدول واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها.

ونجدد في هذا السياق مطالبتنا بإنهاء احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والتي يُثبت التاريخ والقانون الدولي سيادة بلادي عليها. ونؤكد أنه ورغم عدم استجابة إيران لدعوات بلادي الصادقة لحل النزاع بالطرق السلمية على امتداد العقود الخمسة الماضية، إلا أننا لن نتوقف يوماً عن المطالبة بحقنا المشروع في هذه الجزر إما من خلال التفاوض المباشر أو محكمة العدل الدولية.

كما ينبغي بذل قصارى الجهود لتجاوز حالة الخمول التي باتت السمة الأبرز للنهج الدولي الراهن في التعامل مع الأزمات والانتقال نحو إيجاد حلول دائمة وشاملة وعادلة للنزاعات المسلحة المتصاعدة حول العالم، ومعالجة التداعيات الناجمة عن الاضطرابات في المشهد الدولي.

ولذلك، تتطلب المرحلة المقبلة اتّباع وسائل مُبتكرة تعزز من فعالية نظامنا الدولي وتُحوّل الدول والمناطق التي تَعُجُّ بها الأزمات إلى جهات لها دور بنّاء في معالجة تحديات العصر. وفي حين كان للعالم العربي والقارة الأفريقية خلال العقود الماضية حصة الأسد من تلك الأزمات، إلا أن ذلك علمناً دروساً صعبة ودروساً مهمة حول ضرورة تغليب الحلول الدبلوماسية والحوار وخفض التصعيد، وأهمية تدارك التوترات، لتفادي ظهور بؤر جديدة للصراعات ولمكافحة التيارات المتطرفة.

وتُعَد التحركات الإيجابية الأخيرة في منطقتنا لبناء الجسور أمثلة بارزة لطيّ خلافات الماضي، وبناء شراكات جديدة قوامها التعاون في شتى المجالات ودعم القطاعات الهامة كالصحة والتعليم والصناعة وتعزيز دور المرأة.

ونؤكد هنا على موقفنا الثابت والداعي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للمرجعيات الدولية المتفق عليها، ونرحّب بما جاء في بيان رئيس وزراء دولة إسرائيل من على هذا المنبر بشأن دعم رؤية حل الدولتين.

وكما نتطلع هنا إلى النهوض بكافة العمليات السياسية في منطقتنا وتذليل الصعاب أمام مسارات السلام فيها، ولكن ينبغي أن يرافق ذلك تعزيز للموقف الدولي الموحد الرافض للتدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتي تقوض جهود حل النزاعات وتغذي التطرف والإرهاب، وتشكّل انتهاكاً صارخاً لسيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها.

وفي ظل تزايد وتيرة الأزمات أصبح من الضروري تفعيل دور المنظمات الإقليمية والدولية، عبر التشاور معها، ومدِّها بالأدوات والموارد والخبرات التي تُمكِّنها من المساهمة بفعالية في الاستجابة للتحديات الراهنة، فالمنظمات الإقليمية أكثر إلماماً بالسياقات المحلية ولها من المقومات ما يُمكِّنها من دعم جهود الوساطة، مثلما لمسنا في مساعي العديد منها، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والذي نشيد بمبادراته وندعمها.

وكما نعلم جميعاً، تتطلب حماية السلم والأمن الدوليين العمل على الوصول لعالمٍ خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية، وتعزيز الحوار لخفض التوترات ومعالجة الشواغل الإقليمية والدولية بهذا الشأن.

لا يمكن الحديث عن نظام دولي آمنٍ ومستقر في ظل غياب موقف دولي حازم يرفض الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره ويلتزم بمحاسبة مرتكبيه ومموليه. لقد شهدت الفترة الأخيرة زيادة في تدفق الأسلحة لمناطق النزاعات والزَجّ بأفراد من خلفيات متعددة، وكذلك ظهور جماعات بقدرات قتالية وعسكرية عالية، وما يتلو ذلك من عودة المقاتلين إلى مَوَاطِنِهِم دون وجود آليات لضبطهم، ويزداد الوضع خطورة مع استخدام الإرهابيين للصواريخ والطائرات المسيرة لشن هجمات عابرة للحدود، إذ تعكس هذه التطورات الطبيعة المتحوّرة للإرهاب، والتي تقتضي الحيلولة دون أن تصبح مناطق النزاعات ملاذاً آمناً للإرهابيين، والسعي لتحديث سبل الردع، واعتماد قواعد وأنظمة دولية تمنع الإرهابيين من الحصول على الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا المتقدمة.

لقد برز هذا التهديد في أوضح تجلّيَاتِه من خلال الهجمات العدوانية الآثمة التي شنتها جماعة الحوثي الإرهابية مطلع هذا العام على عاصمة بلادي، أبو ظبي، وكذلك على المملكة العربية السعودية الشقيقة، في الوقت الذي تسعى فيه الجماعات الإرهابية الأخرى كتنظيم داعش والقاعدة وحركة الشباب لتطوير قدراتها وإعادة تنظيم صفوفها، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً للمكاسب التي تحققت نتيجة التعاون الدولي في الحرب ضد الإرهاب.

وكحكومات، علينا أن نُبادِر بالخطوات التي تمثل خير نموذجٍ لشعوبنا في ترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمي، في وجه المحاولات المتصاعدة لنشر خطاب الكراهية حول العالم.

وبناءً على حتمية المصير الواحد للبشرية، علينا الإقرار بضرورة العمل المشترك وتسخير كل ما نملكه من إمكانيات وطاقات لتطبيق حلول واستجابات شاملة ترقى لمستوى التحديات الوجودية التي نواجهها اليوم، والتي لا تقتصر على دولة أو منطقة بعينها.

وليس من مثال أوضح على هذه الحقيقة من تداعيات التغير المناخي، حيث تتعرض العديد من شعوب العالم اليوم لاشتداد الفيضانات المدمرة وموجات الحر والجفاف التي تتعاظم معها الأزمات الإنسانية والتهديدات الأمنية، لاسيما في المناطق الأكثر عرضةً لتغير المناخ. إن هذه الوقائع جميعها تؤكد بأن مصير كوكبنا على المَحَكْ، والذي يفرض علينا بناء الشراكات وتعزيز العمل المشترك، كما يتطلب ذلك التزامنا جميعاً بدعم العمل المناخي عبر تبني أجندة الطاقة المتجددة وتوفير التمويل الكافي للعمل المناخي، ودعم الدول النامية لبناء قدرة مجتمعاتها على الصُّمود.

لقد بات جَلِيّاً أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يعني الاستثمار في الاقتصاد والسلم والأمن الدوليين ومستقبل الأجيال القادمة. وعلينا في هذا الصدد استغلال الفرص المتاحة لاسْتِنبَاط حلول عملية ومنطقية ومدروسة لأزمة المناخ، بما في ذلك خلال الدورة الـ 27 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ المزمع عقدها في جمهورية مصر العربية الشقيقة في نوفمبر المقبل، إذ نحُثُّ جميع الدول الأعضاء على المشاركة الفاعلة في هذه الدورة. وفيما تستعد بلادي لاستضافة الدورة الـ 28 العام المقبل، فإننا نعمل على بناء الشراكات وضمان الشمولية والتركيز على المجالات التي ستحقق نتائج هادفة للتصدي لهذه الظاهرة.

كما أن التركيز على العمل المناخي سيخفف من أزمة الأمن الغذائي حول العالم، حيث تسعى مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ التي أطلقتها بلادي مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحسين الإنتاج الغذائي وتخفيف مستويات الجوع حول العالم، وفي الوقت ذاته ينبغي علينا تكثيف المساعدات الغذائية للشعوب والحفاظ على استمرار التدفقات العالمية للمواد الغذائية، مع البحث عن وسائل عملية لتأمين سلاسل الإمداد في ظل الخلافات الجيوسياسية الراهنة.

وبالرغم من خطورة التحديات الراهنة وأهمية معالجتها علينا ألا نغفل ضرورة استشراف المستقبل، لنضمن استدامة الاستقرار والازدهار، ومن هذا المنطلق، تبني بلادي اقتصاداً معرفياً ومتنوعاً قَوامُه التقدم العلمي والتكنولوجي ومجتمعات سلمية وآمنة. ومع مرور عامين على الاتفاق الإبراهيمي للسلام وما رافقه هذا العام من مبادرات لتعزيز التكامل الإقليمي وتطوير التعاون في مجالات التنمية والاقتصاد في منطقتنا، فإننا نشهد اليوم نشأَة مجتمع من أجل التقدُّم في منطقة الشرق الأوسط سَيُشكِّل دَعَامة للعمل المشترك حول الأولويات العالمية الكبرى.

ونرى في الشباب خير محرك لهذه الجهود، فقد أثبتوا خلال الأزمات الراهنة قدرتهم على الصمود والابتكار، وأبدوا شغفاً مُنقَطِع النَّظِير في التواصل مع أقْرَانِهِم حول العالم لإيجاد حلول مستدامة للتحديات العالمية، لذلك لن نَحِيدَ عن رِهانِنَا عليهم واستثمارنا فيهم ليكونوا عِمَاد المستقبل وقادته. وكذلك نؤمِن أن المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة في مختلف المجالات، تساهم في نهضة المجتمعات وضمان استقرارها اليوم وغداً.

وختاماً، تؤكد دولة الإمارات أنها ستواصل مسارها، سواء على الصعيد الإنساني أو الدبلوماسي أو التنموي في دعم الشعوب المتضررة من الأزمات والكوارث، دون أي اعتباراتٍ دينية أو عرقية أو سياسية أو ثقافية، وسَنُوَاظِب على العمل مع كافة الأصدقاء والشركاء لبناء قدرات وكفاءات الحكومات والشعوب في مختلف المجالات لتحقيق الخير للعالم أجمع، وسيظل ذلك المسار نِبْرَاسَاً لجُهودِنا في كافّة المَحافِل.

وشكراً، السيد الرئيس.