مشاركة

يلقيه: سعادة سالم الزعابي، مستشار وزير الخارجية

السيد/ السيدة الرئيسة،

أود بدايةً أن أرحب باعتماد قرار الجمعية العامة المعني بالاستعراض الثامن للاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب بالإجماع، وأشكر كلا الميسران، كندا وتونس، على جهودهما الحثيثة خلال عملية المشاورات. كما تؤيد دولة الإمارات البيان الذي ستدلي به المملكة العربية السعودية بالنيابةً عن منظمة التعاون الإسلامي.

السيد الرئيس،

لا يخفى عليكم أن الإرهاب ظاهرة عالمية ومعقدة، تتجاوز الحدود والثقافات والأديان، وتتطلب مكافحتها نهجاً متعدد الأطراف والأبعاد، قادرٌ على الاستجابة للأساليب المتطورة للجماعات الإرهابية، بل واستباقها. ولهذا، نرى أن الاستعراض الذي نجريه كل عامين لاستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب يكتسي أهمية بالغة، فهو يشكل فرصة لتقييم التقدم المحرز في تنفيذها ولتحديثها بما يوائم التهديدات الإرهابية القائمة والناشئة.

لقد أثبتت الأعوام الماضية جسامة التحديات المتصلة بمكافحة الإرهاب الدولي، بعد أن طالت أيادي الإرهابيين التقنيات الجديدة وتكنولوجيا المعلومات وحولتها إلى اداةٍ للتجنيد وحشد التمويل وشن هجماتٍ أكثر تعقيداً وفتكاً وخطورة. وأشير هنا إلى استخدام الجماعات الإرهابية للطائرات المسيرة، والأصول الافتراضية، والعملات الرقمية المشفرة والطباعة ثلاثية الأبعاد. هذا إلى جانب استغلالهم لتكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الألعاب الالكترونية لنشر أفكارهم الهدامة، فما كانت النتيجة إلا أن نشهد انتشاراً خطيراً للتطرف  وخطاب الكراهية والمعلومات المضللة والمغلوطة، التي فككت المجتمعات وقوضت نسيجها الاجتماعي وزادت من استهداف الأقليات الدينية والعرقية.

وأود بناءً على ذلك، أن أؤكد على مسألتين هامتين: أولاً، لا ينبغي الاستهانة بقدرة التكنولوجيا المتطورة على تهديد السلم والأمن الدوليين في حال وقوعها في أيدي الجماعات الإرهابية، وثانياً، يجب أن تعكس الاستراتيجية العالمية هذا الواقع الجديد بتهديداته الملحة على نحوٍ يتيح للمجتمع الدولي الاستجابة لها بفعالية.

ولهذا، نود أن نؤكد على أهمية أن تسلط الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، الضوء بشكلٍ كافٍ على بعض الاتجاهات الناشئة في هذا المجال، والتي لا يمكن التغاضي عنها، فنحن بأمس الحاجة لتعزيز نُهِج الوقاية على المستوى الدولي لمعالجة التعصب والتطرف، قبل أن تتطور هذه السلوكيات إلى أعمال إرهابية ونزاعات مسلحة، الأمر الذي سيساهم في انقاذ أرواح العديد من الأبرياء، وسيعزز قدرة المجتمعات على الصمود. ونرى أن التركيز على قيم التسامح والتعايش السلمي والحوار هو السبيل لبناء مجتمعات تنعم بالسلام والازدهار، وتحتفي باختلافاتها الثقافية والعرقية والدينية.

وقد جعلت دولة الإمارات هذه المسألة في صدارة أولوياتها، محلياً واقليمياً ودولياً، بما في ذلك من خلال جهودنا في هذه المنظمة، حيث يسرنا الإشارة إلى اعتماد مجلس الأمن منتصف هذا الشهر وبالإجماع القرار 2686 بشأن “التسامح والسلام والأمن الدوليين”، والذي قدمته بلادي مع المملكة المتحدة، ويقر بأن خطاب الكراهية والعنصرية والتطرف هي عوامل تؤدي الى تضاعف التهديدات وإلى نشوب النزاعات وتفاقمها وتكرارها. كما أنه أول قرار يحث الدول والمنظمات الإقليمية والدولية على نبذ خطاب الكراهية والتطرف. كما يطالب القرار كيانات الأمم المتحدة ببلورة استجابة شاملة تتضمن رصد خطاب الكراهية والتطرف والإبلاغ عنهما ومعالجتهما، مع ضمان حماية حقوق الإنسان وتعزيزها.

السيد الرئيس،

إن التزام دولة الإمارات بتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي ليس وليد اللحظة، وإنما هو جزءٌ لا يتجزأ من مسيرة بناء الدولة واستشراف المستقبل. ولهذا، حَرِصنا على تسخير الأدوات وإنشاء المؤسسات وإطلاق المبادرات التي تختص بتحصين المجتمعات من آفتي التطرف والإرهاب وتُرسخ قيم التسامح على كافة المستويات المحلية والدولية، ومنها دعم إنشاء مركز هداية، الذي يضطلع بدورٍ هام في تطوير حلول مبتكرة ووضع استراتيجيات عملية ومدروسة لمكافحة التطرف حول العالم.

وتماشياً مع دعوة الجمعية العامة باشراك المجتمع بأكمله في التصدي للإرهاب، تحرص دولة الإمارات على اشراك جميع الجهات الفاعلة في جهودها، بما فيهم المجتمع المدني، من نساء وشباب وقادة الدين، لدورهم الهام في تحصين المجتمع من براثن التطرف وآفة الإرهاب.

السيد الرئيس،

علينا أن نظل يقظين تجاه التهديدات المتنامية للإرهاب، بما في ذلك عبر مواصلة البناء على الزخم الذي ولدته استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الارهاب والأسبوع الرفيع المستوى لمكافحة الإرهاب، فمن خلال تضافر الجهود الدولية، سنتمكن من اجتثاث جذور التطرف والقضاء على الإرهاب وبناء مستقبل أفضل تنعم فيه شعوبنا بالاستقرار والازدهار. 

وشكراً