مشاركة

يلقيه سعادة محمد أبوشهاب السفير  والمندوب الدائم

شكراً السيد الرئيس،

تُدلي دولة الإمارات بهذا البيان لتعليل تصويتها قبل التصويت على مشروع القرار المعنون “اليوم الدولي للتفكر وإحياء ذكرى الإبادة الجماعية التي وقعت في سربرنيتسا عام 1995”.

في عام 2012، تم التعرف على بقايا جثة طفلةٍ في بوتوكاري، كانت قد قُتلت أثناء الإبادة الجماعية في سربرنيتسا في يوليو 1995.  وقد قامت والدتها، وهي إحدى الناجيات، بدفنها إلى جوار والدها وعمّيها وجدها، ومنحتها اسماً حتى لا يخلو شاهد القبر من اسمها.

لقد كانت فاطمة موهيتش تبلغ من العمر يومين فقط، وتعتبر أصغر ضحيةٍ من بين أكثر من 8 آلاف مسلم من البوسنة، قُتلوا خلال تلك الحقبة المظلمة.

إن ما حدث في سربرنيتسا هو إبادة جماعية، وهذه حقيقة ثابتة أقرّتها أعلى المحاكم الدولية، فمن بين جميع الحروب التي دارت في البلقان، تم توثيق الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، وتحولت إلى ذكرى للأهوال التي لا يجب  على أي مجتمعٍ أن يتحملها.

لطالما وقفت دولة الإمارات، قولاً وفعلاً، متضامنة مع إخواننا وأخواتنا في البوسنة والهرسك الذين واجهوا أهوالاً لا يمكن وصفها. فقد كانت دولة الإمارات من أوائل المستجيبين في تقديم المساعدات الإنسانية، كما أن قواتنا خدمت في البلقان، ومنذ ذلك الحين، استمرينا في دعم جهود جميع الشركاء نحو تحقيق التعافي والمصالحة.

وبالطبع، نحن نؤيد بشدة مضمون مشروع هذا القرار، إذ لا يجب أن ننسى أبداً الضحايا الذين قُتلوا، أو طريقة وسبب مقتلهم، فعائلات الضحايا تستحق أقصى درجات الاحترام، من أجل مساعدتهم في طي صفحة الماضي، وتجاوز هذه المحنة.

ومن هذا المنطلق، فإن الجهود المتعلقة بإنشاء مبادرات تعليمية، وإدانة تمجيد جرائم الحرب ومرتكبيها، وتحديد هوية ضحايا الإبادة الجماعية الباقين ودفنهم بكرامة، ومُقاضاة الجناة الذين لم يواجهوا العدالة بعد، هي جهودٌ تستحق دعمنا الكامل.

وندين في هذا الصدد جميع المحاولات الرامية إلى إنكار الإبادة الجماعية في سربرنيتسا أو التقليل من شأنها. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، نود التأكيد على مخاوفنا بشأن توقيت تقديم هذا القرار والعملية الخاصة به، فالمناقشات المحيطة به أثارت قلقاً بالغاً، وعكست للأسف درجة كبيرة من التسييس.

السيد الرئيس،

من المؤسف أن السلام في منطقة البلقان لايزال هشاً، فالجهود الرامية إلى حل النزاعات العميقة وصلت إلى طريق مسدود، وتراجعت المكاسب الكبيرة التي تحققت في بعض الحالات، كما فشلت الأطراف الفاعلة في المنطقة في تنفيذ التزاماتها، مما أدى إلى تصاعد التوترات العرقية.

لذلك، من المهم أن يظل تعزيز الوحدة والمصالحة التي تحتاجها المنطقة بشدة في صلب اهتمامنا جميعاً، كما  لا يجب استغلال ذكرى سربرنيتسا في تحقيق مكاسب سياسية أو استخدامها كسبب لتعميق الانقسامات.

وأيضاً، كان لابد من إتاحة المزيد من الوقت أمام الدبلوماسية، فخطورة الجرائم المرتكبة تتطلب منا ألا نسمح للاعتبارات السياسية بأن تطغى على أهمية الوحدة، في السعي نحو تحقيق العدالة وإحياء هذه الذكرى.

ولهذا السبب، تعتزم دولة الإمارات الامتناع عن التصويت على مشروع القرار، والذي ينبغي فهمه فقط في إطار ما قد يخلفه اعتماد هذا القرار من زعزعة الاستقرار في منطقة البلقان.

إن الامتناع عن التصويت هو تأكيد على ضرورة خفض التوترات الإقليمية، وتشجيع على وقف التصعيد.

نحن نؤمن بأن الجراح التاريخية العميقة لا يمكن أن تلتئم بدون بذل جهود حقيقية نحو المصالحة، وأن تعزيز السلام والاستقرار الدائمين يتطلب حواراً مدروساً وشاملاً، من أجل منع تكرار حدوث مثل هذه الجرائم.

ونود أن نغتنم هذه الفرصة لمناشدة جميع القادة السياسيين والمجتمعيين في المنطقة، على ضرورة النظر في المخاطر التي تهدد السلام والاستقرار، وكذلك لا بد من تجنب التحريض. إن هؤلاء القادة يتعين عليهم تجديد التزامهم بوقف التصعيد بعد الانتهاء من إجراءات مشروع القرار المقدم اليوم، كما نشجع جميع الأطراف بأن يكونوا على قدر المسؤولية، ليتسنى الحفاظ على المكاسب التي تحققت بعد عناء شديد في منطقة البلقان والبناء عليها.

إن التصويت الذي سيجرى اليوم والفترة التي سبقت، تذكرنا بالحاجة الماسة لتعزيز التسامح والتعايش السلمي، ومنع عودة الكراهية والتعصب.

وشكراً السيد الرئيس.