مشاركة

يرجى المراجعة أثناء الإلقاء

السيد الرئيس،

بدايةً، أهنئ معالي/ عبدالله شاهد على ترأس أعمال هذه الدورة، ونحن على ثقة بأننا سنحقق جميعاً المزيد من التقدم في معالجة المسائل الدولية المُلحة وبناء عالم أكثر أمناً واستدامة، تتطلع فيه شعوبنا إلى المستقبل بأمل وثقة.

ترى دولة الإمارات أن هذا العام يعد مرحلة تاريخية مفصلية على المستوى الوطني مع احتفال بلادي باليوبيل الذهبي لتأسيسها، والإعلان عن “وثيقة الخمسين” التي ترسم الخارطة السياسية والاقتصادية والتنموية للدولة استعداداً للسنوات المقبلة. كما يعد هذا العام مرحلة مهمة على المستوى الدولي مع سعينا جميعاً للتصدي لجائحة كوفيد-19، وتأمين سلاسل الإمداد للشعوب ومساعدتها على التعافي من الجائحة صحياً واقتصادياً وأمنياً. وتشهد بلادي هذا العام إقامة معرض إكسبو 2020 الذي سنفتتحه خلال أيام قليلة بمشاركة أكثر من 190 دولة، حيث نتطلع إلى أن يساهم هذا الحدث الدولي في مرحلة التعافي المقبلة من جائحة كوفيد-19 وأن يدعم الجهود الدولية التي تهدف إلى بث روح الأمل والتفاؤل بين الشعوب عبر توفير منبر لتواصل العقول وتطوير حلول مبتكرة لأهم التحديات الدولية والاستعداد لصنع مستقبل أكثرَ اشراقاً وازدهاراً.

السيد الرئيس،

إننا اليوم بحاجة إلى قيادات حكيمة تسعى إلى تعزيز العمل متعدد الأطراف وبلورة موقف دولي موحد لمواجهة التحديات الدولية المشتركة مع ضرورة إيجاد رغبة سياسية حقيقية لتخطي هذه المرحلة التاريخية الصعبة، والتي تتطلب وضع الخلافات جانباً وتعزيز العلاقات للتركيز على مستقبل وأمن شعوبنا مع التمسك بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.  وفي هذا الصدد، نرحب برؤية الأمين العام حول سُبل تعزيز العمل متعدد الأطراف بما يخدم مصالحنا المشتركة والتي أشار إليها في تقريره “خطتنا المشتركة”.

وكأولوية، لابد لنا من حشد الزخم الدولي لبلورة حلول سلمية للنزاعات وتدارك الأزمات السياسية قبل تفاقمها. وفي هذا السياق، ستواصل بلادي دعمها المعهود للجهود الأممية والدولية التي تهدف لتحقيق تقدمٍ ملموس في العمليات السياسية، ونرى أن خلق بيئة مناسبة للسلام والاستقرار، خاصة في منطقتنا، يتطلب تنفيذ وقف شامل ودائم لإطلاق النار لاسيما في اليمن والحفاظ عليه بشكل مستدام في ليبيا وسوريا مع ترحيل كافة القوات الأجنبية.

ولكن جهودنا الرامية لإنهاء دائرة الصراع في المنطقة العربية لا يمكن أن تُكلل بالنجاح دون وقف التدخلات الإقليمية الفجة في الشأن العربي، خاصة في سوريا واليمن وليبيا والعراق، حيث عرقلت هذه التدخلات غير الشرعية العمليات السياسية وفاقمت الأزمات الإنسانية وقوّضت استقرار المنطقة والعالم. إننا في دولة الإمارات نعوّل على موقف دولي واضح يرفض التدخلات الإقليمية في الشأن العربي ويساند الدول العربية على تخطي كافة العراقيل أمام تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. ونكرر هنا أن الاحترام الكامل لسيادة الدول العربية والتوصل لحلول سياسية شاملة، تحت رعاية الأمم المتحدة، يبقى السبيل الوحيد لإنهاء أزمات المنطقة العربية.

وفي هذا السياق، نرى أنه توجد فرصة سانحة للوصول إلى سلام دائم في اليمن، والذي لا يمكن تحقيقه إلا عبر التوصل لحل سياسي شامل يتضمن وقف لإطلاق النار لضمان تحقيق الاستقرار للشعب اليمني الشقيق والدول المحيطة. وكما شهدنا هناك مبادرات حقيقية تصب في هذا الاتجاه، آخرها مبادرة المملكة العربية السعودية الشقيقة لإنهاء الحرب في اليمن، ولكن نجاح هذه الجهود يتطلب إظهار إرادة والتزام من كافة الأطراف، فالميليشيات الحوثية تواصل استفزازاتها وعدوانها الذي يعرقل العملية السياسية وجهود الأمم المتحدة. ونكرر هنا على أهمية تنفيذ اتفاق الرياض والالتزام به لتوحيد الصف اليمني.

كما أن دعم الاستقرار في المنطقة العربية يتطلب إنهاء الاحتلال لكافة الأراضي الفلسطينية والعربية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بما يتفق مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية ويحقق حل الدولتين. ونكرر الدعوة لوقف بناء المستوطنات وتهجير السكان الفلسطينيين وغيرها من الممارسات غير الشرعية.

ومع مرور عامٍ على الاتفاق الإبراهيمي، نتفاءل بما شهدته المنطقة من إنشاء علاقات جديدة فتحت آفاقاً للسلام والمصالحة، نسعى عبرها إلى تحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق الازدهار والاستقرار لشعوب المنطقة، خاصة للأجيال الشابة، التي تستحق أن تنظر إلى المستقبل بتفاؤل وأمل.

السيد الرئيس،

إن استمرار النزاعات في المنطقة وتفاقمها بسبب الجائحة يُنذر بمستقبل تواصل فيه الجماعات المتطرفة والإرهابية، مثل الحوثيين وداعش والقاعدة وجماعة الإخوان وحزب الله، تجنيد أجيال جديدة من الشباب لخدمة العنف والكراهية، لكننا لن نتهاون في جهودنا لمكافحة هذه الآفة أينما وجدت.  علينا أن نبني على التقدم المحرز ضد داعش في سوريا والعراق عبر تكثيف التعاون الإقليمي والدولي ومواصلة تطوير أساليبنا، مع احترام القانون الدولي.

وفي هذا الإطار، نشدد على ضرورة الحفاظ على أمن إمدادات الطاقة وحرية الملاحة والتجارة مع السعي إلى خفض التصعيد، فاستهداف الأماكن والمنشآت الحيوية له تداعيات مباشرة على الاقتصاد والسلم والأمن الدوليين.

وبالمثل، لابد من ضمان خلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وهو مسعى لكافة الدول الحريصة على الحفاظ على النظام الدولي. وتبقى مسألة التوصل لتفاهم مشترك مع إيران يعالج كافة الشواغل الإقليمية والدولية مطلباً أساسياً، ويبدأ بخفض التصعيد لتحقيق السلم والاستقرار الإقليميين والدوليين. فلا يمكننا تجاهل قيام إيران بتطوير برنامجها النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية والتدخل في المنطقة. وعليه، فإن أي اتفاق مستقبلي يجب أن يعالج أوجه القصور في خطة العمل الشاملة المشتركة وأن يشرك دول المنطقة باعتباره مطلباً شرعياً وعادلاً لدول تسعى لحماية أمنها وشعوبها.

وسنواصل دعوة إيران إلى احترام القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار وحل النزاعات بالطرق السلمية، ونكرر هنا مطالبتنا بإنهاء احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. لن تتوقف بلادي عن المطالبة بسيادتنا الشرعية على هذه الجزر التي تحتلها إيران في انتهاكٍ صارخ للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة منذ عام 1971، وستستمر بلادي في دعوة إيران إلى قبول حل النزاع سلمياً من خلال المفاوضات المباشرة أو الإحالة إلى محكمة العدل الدولية.

السيد الرئيس،

 تشدد دولة الإمارات على ضرورة خفض التصعيد وتخطي التحديات التي تواجه العديد من الدول حول العالم. وفي هذا السياق، نؤكد على الحاجة الماسة إلى تعزيز الأمن والاستقرار في أفغانستان بما يلبي تطلعات الشعب الأفغاني لاسيما النساء والشباب ويطوي صفحات المعاناة لصالح السلام والازدهار. وبينما نتابع التطورات المتسارعة في أفغانستان وما يرافقها من تداعيات أمنية وسياسية وإنسانية، تشدد دولة الإمارات على أهمية تأمين وصول المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني بما يحفظ كرامته وحقوقه. وانطلاقاً من سعينا لتعزيز قيم التسامح وتقديم المساعدات الإنسانية لكافة الشعوب المحتاجة دون تمييز، تواصل بلادي دعم الجهود الإنسانية الدولية في أفغانستان وإرسال مساعدات طبية وغذائية عاجلة مع تسهيل جهود إجلاء الأفغان ومواطني الدول الأخرى بأمان عبر دولة الإمارات.

ومن جانب آخر، تؤكد دولة الإمارات على أهمية الحفاظ على أمن واستقرار القارة الأفريقية. ونشدد هنا على ضرورة اتباع نهج شامل يعالج كافة الشواغل الأمنية والإنسانية والتنموية في كافة أنحاء القارة. لقد بذل الاتحاد الافريقي جهوداً حثيثة يحتذى بها وتستوجب المزيد من الدعم الدولي، خاصة في التصدي للتطرف والإرهاب وجهود الوساطة والمشاورات لحل الخلافات القائمة.

إننا بحاجة إلى تكثيف التعاون لنشر التسامح وبناء مجتمعات سلمية ومتعايشة بما في ذلك عبر التصدي لخطاب الكراهية. ومع احتفالنا الأول هذا العام باليوم الدولي للأخوّة الإنسانية، تستبشر دولة الإمارات بما شهدناه من دعوات عالمية تشجع على الحوار بين الأديان والثقافات. ونكرر أن تحقيق السلام المستدام يتطلب مشاركة فاعلة من النساء والشباب، نظراً لدورهم الأساسي في منع النزاعات وحلّها وبناء المجتمعات وازدهارها.

وعلى نفس النهج، حرصت دولة الإمارات على ترسيخ الاستجابة الإنسانية في سياستها الخارجية وساهمت مع المجتمع الدولي في التخفيف من وطأة الوضع الإنساني في المناطق المتضررة من النزاعات والكوارث. وكأولوية، ينبغي علينا تكثيف العمل المتعدد الأطراف لمساعدة الشعوب على التصدي للجائحة، بدءاً من التوزيع العادل للقاحات ومواصلة إرسال المساعدات الإنسانية، ووصولاً إلى التعاون لإعادة بناء اقتصاد مستدام. ويتطلب هذا بناء مؤسسات تواكب التحديات مع تقوية عمل المنظمات الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، التي تلعب دوراً محورياً في بناء قدرة المجتمعات على الصمود.

وينبغي التركيز أيضاً على استشراف المستقبل والاستثمار في المجالات التي تحقق الأمن والسلام والازدهار للشعوب. لذلك، تواصل دولة الإمارات نهجها في تعزيز التنمية والازدهار عبر اتباع توجه طموحٍ يجمع بين التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا والابتكار، فالارتباط الواضح بين الشق السياسي والنمو الاقتصادي ضروري لمنطقتنا وهي تتطلع إلى المستقبل. ونحث هنا على تمكين الشعوب من الوصول للتكنولوجيا المتقدمة والتي رغم استغلالها من البعض للتسبب باضطرابات، تعد أداة مهمة لخدمة السلام ومعالجة التحديات الملحة كتغير المناخ. وستواصل بلادي العمل مع الشركاء خلال المرحلة القادمة لتحويل التحديات إلى فرص وتسخير الإمكانيات لتحقيق السلام.

وفي هذا السياق، يعد تغير المناخ من أكثر التحديات إلحاحاً، لكن وعلى الرغم من تزايد تداعياته الخطيرة، نرى أنه يمكننا ليس فقط الحد من هذه التداعيات والتكيف معها إذا ما تكاثفت جهودنا الدولية، بل يمكننا أيضاً تحقيق العديد من الفوائد الاقتصادية للدول عبر الاستثمار في الحلول التي تخفف من وطأته. وعليه، نشدد على ضرورة وضع استجابة عالمية متناسبة خلال “الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” وجميع الاجتماعات ذات الصلة. وفي الوقت ذاته، نرى أن اتفاقية باريس تعد فرصة استثنائية لدعم النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل. ومن جانبنا، تسعى دولة الإمارات مع الشركاء إلى البحث عن الحلول واستكشاف الفرص التي يمكن من خلالها التقليل من تداعيات التغير المناخي، بما في ذلك عبر السعي لاستضافة الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

كما نشيد هنا بالجهود الحثيثة التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا” في أبوظبي لمساعدة الدول على اعتماد الطاقة المتجددة وتقديم حلول للتصدي لتحديات تغير المناخ.

وختاماً، السيد الرئيس،

 أود أن أعبر عن امتنان دولة الإمارات للدول الأعضاء على انتخابنا لعضوية مجلس الأمن للفترة 2022-2023. ستركّز عضوية بلادي في مجلس الأمن على تجربتنا وخبرتنا ونهجنا، بهدف مد جسور التعاون لمعالجة أهم التحديات بدءاً من التطرف والإرهاب والأزمات الإقليمية، مروراً بمكافحة الأوبئة والتغير المناخي، ووصولاً إلى قضايا المرأة والشباب وتعزيز دورهما في تحقيق الأمن والسلام.

وشكراً سيدي الرئيس.