مشاركة

تلقيه معالي السفيرة لانا نسيبة، المندوبة الدائمة

نشكر الاتحاد الروسي على عقد مناقشة اليوم حول الحالة الاقتصادية في أفغانستان. كما أشكر مقدمي الإحاطة على استعراضهم آخر المستجدات وحقائق صادمة، والتي كانت أيضاً مفصلة وعملية من حيث توضيح المطالب والاقتراحات المقدمة إلى أعضاء مجلس الأمن.

كما اطلعنا اليوم، لاتزال التوقعات الاقتصادية بالنسبة لأفغانستان سلبية للغاية، ومن الواضح أن ذلك سيفاقم مخاطر وقوع كارثة إنسانية وسيمنع تحقيق التعافي المستدام، فمنذ سيطرت طالبان على السلطة في العام الماضي، انكمش الاقتصاد الأفغاني بنسبة تتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين في المائة، مما تسبب في خسارة عدد كبير من الوظائف وفقدان سبل العيش. ووفقاً لأرقام البنك الدولي، فإن ما يقرب من سبعين في المئة من السكان لا يستطيعون حالياً تحمل تكاليف الغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى، لذلك من الواضح حسبما ظهر في الشريحة الأخيرة للعرض المقدم للمجلس، أن سكان أفغانستان هم من أكثر سكان العالم احتياجاً في الوقت الحالي، مما يتطلب مواصلة التركيز على هذا الجانب. ولا يسعني هنا إلا أن أشكركم مرة أخرى على لفت أنظارنا – كأعضاء المجلس – لهذا الموضوع المهم.

لقد تحدثنا منذ أكثر من عام عن الأهمية العاجلة لتوفير السيولة للاقتصاد الأفغاني. حيث إن صعوبة الحصول على أوراق النقد الجديدة أدت إلى تناقص السيولة، وبالتالي فقد شكل ذلك عائقاً كبيراً أمام ممارسة الأعمال التجارية في أفغانستان، وهو أمر ينطبق على أية دولة يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على توافر النقد مثلما هو حاصل في أفغانستان. وأود في هذا الصدد أن أرحب بالاتفاق الذي تم توقيعه بين البنك المركزي الأفغاني وإحدى الشركات الخاصة في الأسبوع الماضي، من أجل توريد أوراق نقدية بقيمة عشرة مليارات أفغاني. ويعد وصول الأوراق النقدية الجديدة إلى أفغانستان تطوراً إيجابياً، إذ سيلبي احتياجات السكان الأساسية من غذاء وضروريات أخرى. وأشيد في هذا السياق بجهود وزارة الخزانة الأمريكية والولايات المتحدة الأمريكية، وجهات أخرى ساهمت في التوصل لهذا الاتفاق. وبالرغم مما تقدم، لاتزال أفغانستان بحاجة لاتخاذ المزيد من الإجراءات المماثلة التي من شأنها تخفيف الآثار غير المقصودة للعقوبات على الشعب الأفغاني.

ولكن دعونا نتحدث بمصداقية، فالدفعة الأخيرة من السيولة النقدية التي تم ضخها في الاقتصاد الأفغاني، لا تقارن بحجم السيولة النقدية البالغة أكثر من  مليار دولار أمريكي، والتي كان يتعين على الأمم المتحدة تحويلها إلى أفغانستان في العام الماضي، لتجنب حدوث انهيار اقتصادي كامل ومجاعة واسعة النطاق. كما أن الحفاظ على الاقتصاد الافغاني من خلال الاستمرار في الحصول على النقد والمساعدات الإنسانية، لا يمكن أن يشكل حلاً طويل المدى مثلما سمعنا اليوم.

لذلك، فإن تنشيط الاقتصاد الأفغاني هو السبيل الوحيد نحو التعافي المستدام وتحقيق الازدهار في أفغانستان. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف سيعتمد في جانب كبير منه على السياسات التي تتخذها سلطات الأمر الواقع، إذ يتعين على هذه السلطات تهيئة بيئة جاذبة للمستثمرين، تستطيع من خلالها الشركات التجارية ممارسة أعمالها، إلى جانب توافر قوى عاملة متعلمة وقادرة على تحقيق كل ذلك. وكما نعلم، لاتزال هناك فجوات في هذا الصدد .

أولاً، لن يتعافى الاقتصاد الأفغاني والمجتمع بأكمله بدون المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة في المجالين الاقتصادي والعام. وكما سمعنا، فإن أرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أشارت إلى أن عدم مشاركة النساء كلّفت الاقتصاد الأفغاني مليار دولار. ومن هنا، فإن عدم مشاركة المرأة في الاقتصاد لا تؤثر فقط على دخل الأسرة وجودة الحياة التي تعيشها، بل تؤدي أيضاً لتعطيل الاقتصاد بأكمله. لقد كانت المرأة الأفغانية في الماضي تشكل حوالي ربع القوة العاملة في أفغانستان، ولكن هذه النسبة انخفضت بشكل حاد في الوقت الحاضر كنتيجة مباشرة للقرارات السياسية العديدة التي تم اتخاذها مؤخراً، فبدون توافر مجموعة من النساء المتعلمات والمؤهلات للعمل في كافة القطاعات، لن يستطيع الاقتصاد الأفغاني تحقيق النمو المأمول أو الوصول للإنتاجية التي يحتاجها لدعم شعبه، لذلك، يجب علينا جميعاً أن نحث سلطات الأمر الواقع على إلغاء القيود المفروضة على النساء والفتيات وهي قيود غير مبررة وتسببت في نتائج عكسية، بما في ذلك القيود المفروضة على مشاركتهن في القوى العاملة وحصولهن على التعليم. لقد شعرنا بالحزن حقاً عندما سمعنا في الأسبوع الماضي عن موجة قيود جديدة تم فرضها، تضمنت حرمان النساء والفتيات من دخول الصالات الرياضية والمتنزهات الترفيهية. إن هذه القيود الجديدة لم تحرم المرأة الأفغانية من ممارسة حريتها فحسب، بل سلبت الأطفال أيضاً حقهم في الاستمتاع بطفولتهم. وهذا مثال آخر على السياسات المعادية للمرأة التي لا يوجد لها أي أساس في العقيدة الإسلامية، ويتعين علينا رفضها بشكل علني.

ثانياً، يعد الأمن شرطاً أساسياً لتهيئة بيئة تناسب الاستثمار والعمل التجاري. ونكرر في هذا الصدد ما سبق أن قلناه مراراً وهو أن أفغانستان يجب ألا تكون مرة أخرى ملاذاً آمنا للجماعات الإرهابية، وأن على سلطات الأمر الواقع تكثيف جهودها لتحقيق ذلك، فاحتواء التهديد الذي تشكله داعش خراسان وتنظيم القاعدة وغيرهم من التنظيمات الإرهابية، لا يمثل أحد تطلعات المجتمع الدولي من القيادة في أفغانستان فقط، بل هو شرط أساسي لضمان الاستقرار وتعزيز النمو الاقتصادي.

ثالثاً، تعتبر الإدارة الاقتصادية السليمة، والأنظمة الشفافة، والتخطيط المُحكم للميزانية، والرقابة المستقلة للبنك المركزي الأفغاني، والمؤسسات الأخرى، عناصر أساسية لبناء اقتصاد قوي وسليم. ويُعد دعم الجهود المرتبطة بتحقيق هذه العناصر جزءاً من الولاية الأساسية التي تضطلع بها بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، بما في ذلك تهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية المؤدية إلى الاعتماد على الذات وتحقيق الاستقرار، والتي نسعى جميعاً لتحقيقها في أفغانستان.  ولذلك، نحث سلطات الأمر الواقع على الاستفادة من الخبرات التي تقدمها بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والجهات الفاعلة الأخرى، للبدء في مهمة خلق نصف مليون فرصة عمل في السوق الأفغاني، وهو هدف ممتاز. ومع أن التحديات التي تواجه أفغانستان تعتبر كبيرة، إلا أن هناك اتفاق عام بين خبراء التنمية الاقتصادية على الخطوات التي من شأنها المساعدة في إرساء أسس اقتصاد فاعل.

إن دولة الإمارات على استعداد لمواصلة المشاركة الفعالة داخل هذا المجلس وخارجه، لتحقيق هذه الأهداف من أجل أفغانستان، ولكي تزدهر حياة الشعب الأفغاني، وخاصة النساء والفتيات فيه.

وشكراً لكم.