مشاركة

تلقيه معالي مريم المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة

بدايةً أود أن أعرب عن امتناني للرئيس سانتوس، ووكيل الأمين العام لاكروا، والسيدة قادري على مداخلاتهم القيمة.

في عام 2007، اجتمع هذا المجلس للمرة الأولى لمناقشة الآثار المحتملة للتغير المناخي على السلم والأمن الدوليين، حيث أعرب المتحدثون عن مخاوفهم من احتمال تحول الظواهر المناخية، مثل فقدان الموارد الطبيعية، وارتفاع مستويات سطح البحر، وموجات الطقس الشديدة، إلى عوامل تحفز على نشوب النزاعات. وقد اعترض البعض على الربط بين التغير المناخي والتهديدات التي تؤثر على السلام والأمن، معتبرين أن صلاحيات المجلس لا تؤهله لأن يكون المحفل المناسب لمناقشة موضوعات مثل تعزيز وتعجيل إجراءات مواجهة التغير المناخي.  وبذلك تشكلت معالم هذا النقاش التي لم تتطور رغم مرور ستة عشر عاماً على ذلك الاجتماع.

إن التغير المناخي بوصفه “عاملاً يضاعف المخاطر” لم يعد سيناريو افتراضياً، بل أصبح تجربة حية يومية في مختلف بيئات النزاع حول العالم. وقد أوضحت الدراسات العلمية مكامن العلاقة المعقدة بين الأوضاع الهشة والتغير المناخ والصراع المسلح، وكيف يمكن لهذه العوامل أن تشكل حلقة مدمرة.

ففي الصومال مثلاً، تستفيد حركة الشباب الإرهابية من موجات الجفاف المستمرة في القرن الإفريقي لتجنيد المزيد من النازحين لصفوفها، وفرض ضرائب على المزارعين والرعاة الذين أضنتهم الحاجة. وقد ساهم نمو موارد الحركة وزيادة أعضائها في تعزيز قدرتها على مهاجمة أهداف حكومية داخل الصومال وخارجها. وقد بات واضحاً تداعيات هذا التطور على الارض عندما قتلت الحركة 54 جندياً أوغندياً من قوات حفظ السلام التابعين لبعثة الاتحاد الإفريقي في البلاد.

أما في منطقة الشرق الأوسط والتي تضم 14 بلداً من أصل 33 بلداً تعتبر الأكثر تضرراً من شح المياه على مستوى العالم، فقد أدى التغير المناخي إلى تفاقم التوترات داخل الدول وخارجها. فعلى سبيل المثال، يهدد التغير المناخي وشح المياه جهود التعافي من الصراع في العراق عبر مخاطر ارتفاع معدلات النزوح وتدهور سبل العيش الزراعية، والضغط على علاقات العراق مع دول الجوار بسبب الموارد المائية. وفي جنوب السودان، أدى استمرار الفيضانات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية القائمة وعرقلة قدرات بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في تنفيذ الولاية المنوطة إليها من قبل مجلس الأمن بشأن حماية المدنيين. في الوقت ذاته، أدت الآثار السلبية للتغير المناخي إلى تأجيج التوترات القائمة بين المجتمعات الرعوية والزراعية، مما ساهم في اندلاع نزاعات عنيفة.

أما في سائر أنحاء العالم، فقد ساهم التغير المناخي في ترسيخ العنف القائم على نوع الجنس وانعدام المساواة، حيث تتعرض النساء والفتيات لأوضاع أكثر خطورة عندما تقل الموارد الطبيعية وينخفض الإنتاج الزراعي. ومن المتوقع أن تزداد تداعيات تغير المناخ حدة وتتفاقم آثاره التراكمية بمرور الوقت. ورغم كل هذه الحقائق، لا تزال استجابة مجلس الأمن غير كافية، ويعود ذلك لسببين رئيسيين:

السبب الأول هو أن نطاق وتشعب ظاهرة التغير المناخي غير مسبوق، الأمر الذي يجعله تحدياً استثنائياً لقدرة نظامنا متعدد الأطراف على الاستجابة. فنحن أمام أزمة عالمية تشتبك في أسبابها عوامل اقتصادية وسياسية وأمنية وتاريخية، مما يجعل من مسألة التوصل لإجماع دولي أمر صعب للغاية.

أما السبب الثاني فهو تفاوت آثار التغير المناخي على السلام والأمن وارتباطها بالسياقات المعنية، ومع ذلك لا ينبغي إغفالها. فكما تؤكد بحوث معهد السلام الدولي الأخيرة إن عدم القدرة على قياس آثار التغير المناخي بمعزل عن العوامل الأخرى يجب ألا يثنينا عن إدراك ومواجهة المعضلة الأكبر وهي تعزيز الصراع والتغير المناخي لبعضهما البعض. وبالتالي من المهم للغاية أن يتكيف النظام متعدد الأطراف، بما في ذلك مجلس الأمن، مع الطبيعة المنتظمة والبطيئة والمشتتة للتغير المناخي. ورغم أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي تعد المحفل الحكومي الدولي الأساسي للتفاوض حول الاستجابة العالمية لتغير المناخ، إلا أنه لم يُقصد أبداً لهذا الدور أن يكون حصرياً.

لقد أصبح من الواضح أن معالجة أزمة المناخ تتطلب الاستعانة بخبرات متعددة من المحافل الأخرى، كما تبين المناقشات الجارية حول تعزيز دور المؤسسات المالية الدولية في الاستجابة للتغير المناخي.  وبدوره، فإن مجلس الأمن يتعين عليه ابتكار محاولات لفهم العلاقة التفاعلية بين التغير المناخي والسلام والأمن ومعالجتها بشكل أفضل، والتعامل مع الصراع من منظور يأخذ في الاعتبار التغير المناخي. كما يتعين علينا تعزيز قدرات وولايات عمليات السلام عبر إدراج التغير المناخي في استراتيجيات تخفيف المخاطر والتكيف معها، وجهود منع النزاعات وحلها. ويمكننا تحقيق ذلك من خلال الاستفادة من عمل آلية الأمن المناخي، وانتشار مستشارين في مجال الأمن المناخي ضمن بعثات الأمم المتحدة، وكذلك الاستفادة من فريق الخبراء غير الرسمي لأعضاء مجلس الأمن المعني بالتغير المناخي والسلام والأمن، واستكمال تلك الجهود من خلال جمع البيانات والإبلاغ المنتظم من قبل الأمين العام في تقاريره حول الملفات ذات الصلة.

كذلك من المهم تجنب الاستقطاب عند النظر في هذه المسألة في المجلس، فحجم المخاطر يحتم علينا عدم استبعاد أو تشويه الشواغل المشروعة حول صلاحيات المجلس في هذا الصدد، كما يجب توفير الفرص للاستماع لوجهات نظر الممثلين المحليين للمجتمعات المتضررة والتواصل معهم، لا سيما النساء والشباب، إضافة للمنظمات الإقليمية التي تقود مبادرات تتعلق بمواجهة المناخ لتمكينهم من اقتراح حلول تعكس سياقاتهم. وهذا لن يفيد فقط في تعزيز استجابة المجلس عبر الأخذ في الاعتبار وجهات النظر المحلية ونُهج الاستجابة المراعية للمنظور الجنساني في المناقشات المتصلة بالتغير المناخي والصراع، بل سيساهم أيضاً في زيادة تواصل المجلس مع مختلف الجهات المعنية وتطوير حلول مستدامة.

كذلك من المهم تطوير حلول شاملة لهذا التحدي متعدد الأبعاد من خلال المحافل المختلفة، والتي تكمل بعضها البعض. ومن هذا المنطلق، تخطط بلادي بصفتها الرئيس المقبل لمؤتمر الأطراف (COP 28) الذي سيعقد في دبي في وقت لاحق من هذا العام، إعلان يوم “للإغاثة والتعافي والسلام”، وهو الحدث الأول من نوعه الذي يقام ضمن فعاليات مؤتمر الأطراف، حيث الغرض منه هو تسليط الضوء على التقاطع بين التغير المناخي والسلام والأمن، واقتراح حلول عملية لمنع ومعالجة العبء الناجم عن التغير المناخي على الاستقرار.

ولهذا تعكف بلادي على الترويج لجدول أعمال طموح لمؤتمر الأطراف، بحيث يستجيب للنقص الحاد في التمويل المتاح والميسور والكافي للعمل المناخي، لاسيما للدول والمجتمعات التي تعاني من أزمات إنسانية وأمنية، وتتلقى في بعض الأحيان مساعدات أقل بمقدار 80 مرة من نصيب الفرد في الدول النامية الأخرى، رغم أنها في الأصل تفتقر للتمويل الكافي.

أصحاب السعادة،

قد تكون معالجة المجلس للصلة بين التغير المناخي والسلام والأمن لازالت تتطور، ولكن إذا اخترنا التغاضي عنها فإننا نجازف بسلام وأمن البشرية جمعاء على المدى الطويل. فقد آن الأوان لكي نكشف ونفهم تفاعل هذه الظواهر مع بعضها البعض، والدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الدولي إزاء هذه المسألة، وسبل تعزيز التعاون لبناء مجتمعات أكثر سلاماً وازدهاراً وقدرة على التكيف مع التغير المناخي.