مشاركة

يلقيه معالي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير دولة

أود أولاً أن أشكر موزمبيق على تنظيمها لهذه المناقشة الهامة، وأن أشكرك فخامة الرئيس فيليب نيوسي على ترؤسك لهذا الاجتماع.

لقد عانت موزامبيق من تهديدات الإرهاب، خاصة في كابو ديلجادو، والتي يوجد بها مقر بعثة المجموعة الإنمائية للجنوب الأفريقي منذ يوليو 2021. وتعكس مبادرتكم لعقد هذا الاجتماع الحاجة المُلحة لمواجهة الإرهاب بفعالية، بما في ذلك أبعاده العابرة للحدود الوطنية.

كما أشكر كل من رئيس جزر القمر ورئيس الاتحاد الافريقي فخامة غزالي عثماني، والأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش على آرائهم القيمة.

السيد الرئيس،

لقد تحدثت آخر مرة كنت فيها في هذه القاعة عن الطبيعة المدمرة للإرهاب والتطرف في العالم، ويوضح التقرير السنوي الأخير لمؤشر الإرهاب العالمي مدى الدمار الذي لاتزال تسببه هذه التهديدات. 

ففي عام 2022، كان متوسط من قُتلوا جراء الهجمات الإرهابية يفوق العام الذي سبقه بمستويات كبيرة. كما سجلت منطقة جنوب الصحراء الأفريقية أكبر زيادة في أعداد الوفيات الناجمة عن الإرهاب على مستوى العالم.

لا شك في أن الإرهاب ظاهرة معقدة، وفوق ذلك كله، هي مرتبطة بسياقات محددة. لذلك، تؤمن دولة الإمارات أن مبادرات مكافحة الإرهاب الإقليمية تضطلع بدور أساسي في دعم جهود الدول في التصدي لهذه الآفة.

ونؤكد هنا على أن مجلس الأمن، بصفته الهيئة المسؤولة عن صون السلم والأمن الدوليين، يتعين عليه اتخاذ المزيد من الإجراءات لدعم الجهود الإفريقية في مكافحة الإرهاب.

واسمحوا لي في هذا الصدد أن أتقدم بثلاث توصيات:

أولاً، يجب بذل المزيد من الجهود لتجاوز العمل بشكل منفرد حين تتعلق المسألة بمواجهة تحديات الإرهاب، فغالباً ما تكون تهديدات التطرف والإرهابعابرة للحدود بطبيعتها وبالتالي لن تقف عند هذه الحدود.

ويشكل التطرف، الذي يمزق النسيج الاجتماعي داخل المجتمعات وبينها، تهديداً اساسياً أمام صمود المجتمعات وتعايشها سلمياً، فضلاً عن كونه أحد الأسباب الجذرية للإرهاب. الأمر الذي يحتم دعم المبادرات الافريقية التي تسعى لمكافحة التطرف إذ أردنا أن نعمل بالفعل القضاء على الإرهاب.

وفي جميع الأحوال، فإن المبادرات التي تقودها أفريقيا لن تبدأ باتباع نهج عابر للحدود من الصفر، إذ يوجد بالفعل تعاون قائم بين الجهات الإقليمية ودون الإقليمية من حيث تبادل المعلومات والبيانات حول التهديدات التي يشكلها التطرف والإرهاب.

وقد تجسد ذلك في آليات عديدة أبرزها عملية نواكشوط، ومبادرة أكرا، ولجنة أجهزة الأمن والمخابرات في إفريقيا، والتي تُعد جميعها دليلاً ناجعاً على أن تحقيق أكبر قدر ممكن من التكامل وتبادل المعلومات واجراء تقييمات مشتركة يساهم في وضع استراتيجيات أفضل وسياسات أكثر اتساقاً.

ومع ذلك، يجب علينا بذل المزيد في هذا الاتجاه.

ونتطلع في هذا السياق إلى قمة مكافحة الإرهاب التي ستستضيفها نيجيريا بالاشتراك مع مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب في أبوجا في أكتوبر المقبل حيث ستشكل فرصة سانحة لإظهار أهمية التعاون الإقليمي في مواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة في إفريقيا.

ثانياً، يجب أن تتجاوز أساليب مكافحة الإرهاب الحلول العسكرية، فالأسباب الجذرية للإرهاب والتطرف متعددة الجوانب، ويمكن أن تساهم الحوكمة الرشيدة، والتنمية المستدامة، وتوفير الخدمات الأساسية، والرفض التام للتعصب في معالجة هذا التحدي.

ولهذا، من الضروري اتباع نهج مزدوج خلال المرحلة المقبلة: فالوقاية الفعالة تتطلب صياغة وتنفيذ استراتيجيات تهدف إلى مكافحة الإرهاب على مختلف المستويات، وأن تضم هذه الاستراتيجيات كافة الجهات الفاعلة في المجتمع، بما في ذلك القادة الدينيين والنساء والشباب باعتبارهم جزءاً أساسياً من معالجة هذا التحدي.

ومن المهم كذلك أن يقدم المجتمع الدولي الدعم والمساعدة إلى الدول المتضررة من أعمال التطرف والإرهاب لتمكينها من تطوير مؤسسات قوية قادرة على منع ومكافحة هذه الأعمال بشكل فعال وفقاً للقانون الدولي. حيث إن بناء مؤسسات قوية ومرنة يساهم في تعزيز الثقة بين السكان.

إن الاكتفاء بطرد الجماعات الإرهابية من الأراضي التي تسيطر عليها غير كافي، إذ يجب العمل في آن الوقت على مساعدة الدول في إعادة سيطرتها على تلك المناطق وضمان أن يدوم ذلك.

ولتكتمل تلك الجهود، يجب توجيه العمل إلى سد الفجوات الاجتماعية والاقتصادية القائمة في المجتمعات لمنع الجماعات الإرهابية من استغلال نقاط الضعف هذه مجدداً، بما في ذلك من خلال توفير بدائل أخرى للمستقبل مثل اتاحة فرص الحصول على التعليم والوظائف.

وفي هذا السياق، نحيط علماً بالمقترح الذي قدمته للتو فخامة الرئيس ونرحب بانشاء آلية مشتركة لتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود، خاصة الشباب في أفريقيا والشرق الأوسط.

ثالثاً، علينا أن نحذو حذو الجهات الأفريقية المعنية، فعادة ما دعا هذا المجلس إلى اتخاذ إجراءات تم تجاهلها لعدم موائمتها مع الوقائع على الأرض، أو أعرب في حالات أخرى عن دعمه بشكل عام دون توفر الأدوات السياسية أو المالية لإحداث تغيير فعلي على الأرض. إن هذا الانفصال عن الواقع هو ما يقف حجر عثرة أمام تحديد “ماذا” و”متى” و”كيف” نبلور استجابات فعالة لمكافحة الإرهاب.

لقد خطت الحكومات الإفريقية خطوات واسعة في حربها ضد الجماعات والأشخاص الذين يواصلون زعزعة الاستقرار في دول عديدة. كما تمتلك الجهات الأفريقية الفاعلة المعرفة والخبرة اللازمة، إلا أننا تأخرنا كثيراً في الاستماع إليهم ودعم جهودهم.

لذلك، من المهم لمجلسنا أن يعي أهمية الرسالة التي أطلقتها نائبة الأمين العام أمينة محمد في هذه القاعة في نوفمبر الماضي بشأن المبادرات الإقليمية العديدة لمكافحة الإرهاب في أفريقيا، عندما أكدت على ما تتطلبه هذه المبادرات من تلقي دعم كامل والتزام مستمر من جانب المجتمع الدولي.

وختاماً، السيد الرئيس،

لقد طالت معاناة الشعوب الافريقية من الإرهاب وتستحق العيش في سلام ورخاء. ومن جانبنا، ستواصل بلادي دعمها الكامل لكافة الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لمكافحة التطرف والإرهاب، وفي مقدمتها الجهود التي تتم بتوجيه من الأفريقيين أنفسهم.

وشكراً، السيد الرئيس،