مشاركة

يلقيه سعادة السفير محمد أبوشهاب والقائم بالأعمال بالانابة

نائب المندوب الدائم 

أصحاب السعادة، الحضور الكريم،

أشكر جميع مقدمي الاحاطات على مداخلاتهم القيمة.

وأود أن أبدأ بالتأكيد على أن التراث الثقافي هو مرآة للهوية وتجسيدٌ لتاريخ الشعوب، يربطنا بالماضي ويؤسس لمُستقبل يسوده السلم والشمولية.

لذلك، فإن تدمير أو تشويه أو نهب التراث الثقافي أثناء حالات النزاع المسلح له تداعيات خطيرة على صُنع وبناء واستدامة السلام، وهو الأمر الذي دفع مجلس الأمن لتبني قراره التاريخي ألفين وثلاثمئة وسبعة وأربعين، الذي يُقر بأن التدمير غير المشروع للتراث الثقافي ومحاولة إنكار الجذور التاريخية ومنع التنوع الثقافي في هذا السياق يمكن أن يؤدي إلى تأجيج النزاعات ومفاقمتها وعرقلة المصالحة الوطنية. كما أشار هذا القرار إلى أن التدمير المتعمد للمباني الدينية والمعالم التاريخية في حالات النزاع قد يشكل في ظروف معينة جريمة حرب.

ولطالما اهتمت دولة الإمارات برعاية برامجٍ للحفاظ على التراث الثقافي ضمن استراتيجية متكاملة تهدف بالدرجة الأولى لنشر قيم التسامح والتنوع وبناء مستقبل أفضل للشعوب. فقد استضافت بلادي مع فرنسا في عام ألفين وستة عشر المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد والذي نتج عنه إعلان أبوظبي، حيث التزمت أربعون دولة ومنظمة دولية بدعم إنشاء ملاذاتٍ آمنة لهذا التراث الثقافي المُهدد. وبعدها بعام، وإدراكاً منا بضرورة وجود تمويلٍ كافٍ لحماية التراث، أطلقت بلادي بالتعاون مع فرنسا صندوق التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألِف)، الذي دعم حتى الآن مبادرات بقيمة خمسين مليون دولار في أكثر من ثلاثين دولة.

وكما استمعنا اليوم وبعد أن دمر تنظيم داعش الإرهابي العديد من المواقع الأثرية في العراق للقضاء على مظاهر التعايش السلمي فكرياً وعلى أرض الواقع، جاء مشروع “إحياء روح الموصل” لإعادة إعمار هذه المدينة العريقة وتوحيدها، فالتراث والثقافة والمباني التي تمتد لآلاف السنين في الموصل تجسد أن التعايش السلمي ليس فقط ممكناً، بل هو متجذرٌ في تاريخنا الإنساني.

ويأتي هذا الاجتماع لاستعراض التقدم المحرز في تنفيذ القرار ألفين وثلاثمئة وسبعة وأربعين بعد مرور ست سنوات على اعتماده، شملت تطورات عديدة في طبيعة النزاعات المسلحة والمتصاعدة حول العالم، والتي تستدعي منا مواصلة تقييم أساليبنا المعتمدة في حماية التراث الثقافي. فهذا التراث يكتسي أهمية جوهرية في كافة مراحل النزاع، بدءاً من دوره في بناء مجتمعات سلمية، مروراً بالحاجة لحمايتهِ خلال النزاعات ومنع استغلالهِ من الجماعات الإرهابية كأداة للتمويل أو نشر التعصب والكراهية، ووصولاً إلى ترميمهِ لتعزيز المصالحة بين الشعوب. 

ونرى أن التركيز على استعادة التراث الثقافي وإعادة إعماره لبناء السلام واستدامته يستحق اهتماماً خاصاً، فرغم إقرار مجلس الأمن بعواقب تدمير التراث الثقافي على أمن واستقرار وتنمية الدول المتأثرة بالنزاعات، إلا أننا بحاجة لتعميق فهمنا حول سبل تسخير هذا التراث لمساعدة هذه الدول على التعافي.

ومن المهم إشراك المجتمعات المحلية في حماية التراث الثقافي وإذكاء وعيها بأهميتهِ ودورهِ في إثراء الدول ثقافياً وعلمياً واقتصادياً. ويجب التركيز على البرامج التي تجعل من الحوار والتبادل الفكري بين مختلف الثقافات، أداة لفهم الآخر وتقبلِه واحترامه.   

كما إن إعادة إعمار المواقع التراثية سيكون له بالغ الأثر في تحفيز المجتمعات على إعادة البناء والعمل، ووضع القيم الإنسانية أولاً، فإعادة ترميم الكنائس والمساجد التي دمرها تنظيم داعش، مهمٌ لتجسيد التعايش السلمي بين الأديان على أرض الواقع.

وختاماً، نتطلع إلى مواصلة تبادل الأفكار حول سبل حماية التراث الثقافي ومنع تدميرهِ أو استغلالهِ من قبل الجماعات الإرهابية والمسلحة، ففضلاً عن دورهِ في صون السلم والأمن، يعد أيضاً نقطة لالتقاء البشرية تنتشر من خلالها قيم التسامح والتعايش لتشكل إطاراً لإنسانيتنا المشتركة.

وشكراً.