مشاركة

 تلقيه معالي نورة الكعبي وزيرة دولة

أشكر معالي وزير الخارجية أنتوني بلينكن لعقد هذا الاجتماع الهام اليوم، والشكر موصول لمقدمي الإحاطات لإغنائهم مناقشتنا بوجهات نظرهم القيمة. ونُعرب عن تأييدنا للبيان الذي ستُدلي به سلطنة عُمان بالنيابة عن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

يعاني أكثر من 700 مليون شخص من الجوع في جميع أنحاء العالم الذي يحتضن ثلث سكانه الجياع، حيث ما يزال وصول حوالي 2.5 مليار شخص إلى الغذاء مقيّداً ضمن إحصائيات العام الماضي. وبالنظر لما استمعنا إليه من مقدمي الإحاطات، لا ينحصر انعدام الأمن الغذائي العالمي في سبب واحد فقط، وعلى الرغم من أن الأسباب المرتبطة به ليست بسيطة، إلا أن التكلفة البشرية واضحة للجميع.

وتمتد المعاناة من سوء التغذية الحاد لتطال 45 مليون طفل دون سن الخامسة، كما يُجبر الملايين من الأشخاص على مواجهة أخطار الهجرة غير النظامية، في الوقت الذي يشهد فيه العالم ارتفاعاً في العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس.

نعي تماماً أن انعدام الأمن الغذائي يرتبط بشكل وثيق بالنزاعات وعدم الاستقرار. وعلى الرغم من ارتباطها المتشابك ببعضها سواء في مجلس الأمن أو على الصعيد الدولي، فإنه لا سبيل أمامنا غير إيجاد حلول جدية ومستدامة.

وأود الإشارة في هذا الشأن إلى ثلاث نقاط رئيسية:

أولاً، إمكانية الوقاية من انعدام الأمن الغذائي.

إن وضع حد لانعدام الأمن الغذائي وانتشار المجاعة هو خيارٌ سياسي، وهو أيضاً مسعى جماعي، إذ لا ينبغي أن يعاني أحدٌ من المجاعة.

القانون الدولي الإنساني واضح تماماً في حالات النزاع، حيث يجب على أطراف النزاع المسلح مواصلة توخي الحذر وتجنب المساس بالموارد اللازمة لإنتاج الغذاء وتوفير مياه الشرب، الأمر الذي يستوجب عدم استهداف الأعيان المدنية مطلقاً، وهذا ليس واجباً أخلاقياً فحسب، بل أيضاً واجبٌ قانوني يفرض علينا دعم هذه الأسس، لذا ندعو جميع أطراف النزاع إلى الالتزام الصارم بمسؤولياتهم، فمن المهم أن يؤدي أولو القدرة على دعم وتسهيل الجهود الإنسانية، واجبهم الأصيل. وقد ساهمت بلادي بأكثر من 1.4 مليار دولار أمريكي لمعالجة انعدام الأمن الغذائي على مدار السنوات الخمس الماضية.

إن النزاعات، كما هو الحال في أوكرانيا، يمكن أن تتسبب بانعدام الأمن الغذائي العالمي، فيما تعني آثاره غير المباشرة في الأسواق العالمية، أن من يعيش في منأى عن أي ساحة معركة، غالباً ما يكرسون حياتهم لتأمين الغذاء لأسرهم، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وأجزاء من إفريقيا، حيث تعتمد الدول هناك بشكلٍ كبيرٍ على الواردات الغذائية وتحديداً الحبوب. في مثل هذه الحالات، يجب أن ندعم الاستراتيجيات الوطنية ونطور نُهجاً وشراكات مبتكرة تُلبي حجم التحدي.

ثانياً، يتطلب ضمان الأمن الغذائي العالمي مشاركة جماعية.

ينبغي علينا تعميق الشراكات الدولية والاستفادة القصوى من المنتديات متعددة الأطراف الدولية والإقليمية.

لقد رأينا إمكانات الجهود متعددة الأطراف في الحد من انعدام الأمن الغذائي، عبر إطلاق مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب التي اتضحت أهميتها العالمية حين شهدنا ارتفاع أسعار القمح الناجم عن توقف العمل بالاتفاقية، واسمحوا لي هنا أن أعرب أن أسف دولة الإمارات لهذا الحدث.

يجب علينا كذلك إيقاد جذوة الطموح وتعزيز التعاون الدولي لمعالجة الدافع المتنامي لانعدام الأمن الغذائي؛ وهو التغير المناخي، حيث سجّل شهر يوليو الحرارة القصوى على الإطلاق مقارنة بالأعوام السابقة، بما يوجب توحيد الهدف على أعلى المستويات، لكي نعكس التوجه العالمي المقلق في هذا المجال من خلال اتخاذ إجراءات حقيقية للحد من ارتفاع حرارة الأرض فوق 1.5 درجة مئوية، وبالتالي ضمان التكيف مع المناخ بتدابير حاسمة للتخفيف من المخاطر، لا سيما في المناطق الهشة.

إن عبارة “تكاتف الأيدي” تعني حقاً توحيد كافة الجهود والأصوات. من هذا المنطلق، يجب منح المتضررين بشكل غير متناسب من انعدام الأمن الغذائي والتغير المناخي، خاصة النساء والشباب، الأولوية عند تصميم خطط الاستجابات، فالإقرار بهذا التفاوت ليس كافياً، بل يجب أن نشجع المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للجميع.

ثالثاً وأخيراً، نحتاج إلى نُهجٍ جديدة لمواجهة هذا التحدي.

وإذ نشيد بالجهود المخلصة لكل من الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية، والجهات الفاعلة في القطاع الخاص، والمؤسسات الإنسانية، وما حققوه من إنجازات هامة في هذا المجال، إلا أن معدلات انعدام الأمن الغذائي مستمرة في الارتفاع، مما يتطلب توسيع نطاق النُّهج التي نتبعها لكي نتمكّن من إحداث فرقٍ ملموس في مواجهة هذه الظاهرة.

وتُعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص أمراً حيوياً لمعالجة هذا التحدي الهائل، وقد تنبهت دولة الإمارات لهذا الأمر مبكراً، فعمدت إلى الدعم الفاعل لتنسيق الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ومن الأمثلة على ذلك الحملة السنوية لمبادرات محمد بن راشد العالمية “وقف المليار وجبة”. وأيضاً أطلقت دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2021 “مهمة الابتكار الزراعي للمناخ”، وذلك لتحفيز الابتكار في الزراعة الذكية مناخياً، حيث تعمل المهمة في الوقت الراهن مع أكثر من 50 شريكاً حكومياً ومن القطاع الخاص والمجتمع المدني، وقد جمعت أكثر من 13 مليار دولار لتسريع التحول الإيجابي في النظم الزراعية والغذائية حول العالم.

السيد الرئيس،

لا يمكن للعالم أن يصون السلم والأمن في ظل غياب أحد الحاجات الأساسية للبشرية، والاتجاه الذي نشهده اليوم يشير إلى ضرورة مضاعفة جهودنا. ويحدوني الأمل في اغتنام فرصة اجتماعنا هذا، لاتخاذ إجراءات منسقة بشكلٍ أكبر على الصعيد العالمي من أجل التغلب على هذا التحدي.

وشكراً، السيد الرئيس.