مشاركة

تلقيه معالي نورة الكعبي

أصحاب المعالي والسعادة،

أشكر الأمين العام أنطونيو غوتيرش وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر على الاحاطات القيمة. كما أشكر أيضاً السيد رئيس الأساقفة بول ريتشارد غالاغر على البيان الذي ألقاه نيابةً عن قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، متمنين له الشفاء العاجل. ونقدر مداخلة السيدة لطيفة بن زياتن التي سلَّطَت الضوء على دور الشباب في مكافحة التطرف.

نجتمع اليوم لمناقشة مسألةٍ ذاتَ تأثيرٍ بالغ على السلم والأمن الدوليين، حيث يعاني عالَمُنا اليوم من انتشار النزاعات المسلحة، التي وصلت ذروتَها منذ الحرب العالمية الثانية، مما يعني أن أكثر من ملياري شخص يعيشون في مناطق متأثرة بويلات النزاعات.  

وقد أصبحت هذه الأوضاع أكثر خطورةً وتعقيداً في ظل ما نشهدُهُ من انقسامات وموجات متصاعدة من خطاب الكراهية والعنصرية والتطرف بجميع أشكاله وصوره، والذي باتَ يُستخدَم كأداة لتعميق الخلافات والتحريض على العنف وتأجيج النزاعات، فأصبحت دور العبادة مكاناً للاستهداف، وأضحى قتلُ الأشخاص واضطهادُهم، بما في ذلك بناءً على هوياتِهم وعرقِهم ودينِهم، أمراً مباحاً بغيرِ حق، بل وشائعاً. ولا يفوتنا الإشارة إلى تأثير خطاب الكراهية والتطرف على النساء والفتيات بشكل خاص مما يزيد انعدام المساواة ويعرقل مشاركتهن في الحياة العامة.

وقد علَّمَنا التاريخ دروساً مؤلمة، لاتزال محفورةً في قراراتٍ صدَرَت عن هذا المجلس، عن حالات النزاع التي وَجَدَ فيها التطرف أرضاً خصبة للنمو، فحصد الأرواح ودمر المجتمعات ومحا تاريخَها الإنساني. وفي أبشع صورِه، يدفع خطابُ الكراهية إلى ارتكاب أعمالٍ قد ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما تجلى في يوغسلافيا السابقة وإبان الإبادة الجماعية ضد التوتسي في راوندا.

ولا يتسبب خطابُ الكراهية والعنصرية والتطرف بجميع أشكالِهِ وصوَرِه في نشوب النزاعات وإدامتِها فحسب، وإنما يظل خطراً يتربصُ بجهود المصالحة وبناء السلام حتى بعدَ إلقاء الأسلحة، كما في البوسنة والهرسك.

ومع استغلال التكنولوجيا المتقدمة التي فتحت مِنصاتٍ تتجاوز الحدود الوطنية، انتشر خطاب الكراهية والمعلومات المُضلِلَة والمغلوطة بين المجتمعات حول العالم ” كالنار في الهشيم”، فلم يَعُد هناك دولةٌ أو منطقةٌ بمأمَنٍ من هذه التهديدات المتنامية.

وهنا يأتي دورُنا في هذا المجلس، إذ يتعين علينا أن نُقِر بأنالتصدي لخطاب الكراهية والعنصرية والتطرف بكافة أشكالهِ وصورِهِ في حالات النزاع والوقاية منه هو جزءٌ لا يتجزأ من ولاية المجلس بصون السلم والأمن الدوليين، وتنفيذاً لتعهداتِنا في ميثاق الأمم المتحدة بـ “أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب…وأن نأخذ أنفسَنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلامٍ.”

إذ لا يجب إغفال التحديات الجلية التي يشكلُها خطاب الكراهية والتطرف في العديد من الملفات المدرَجة على جدول أعمال مجلس الأمن، فرغمَ تطرق المجلس لهذه التحديات في حالات نزاعٍ منفردة، باتَ واضحاً أن معالجتَها بفعالية يقتضي من المجلس اتباع نهجٍ استباقي وشامل، يغطي كافة مراحل النزاع، بدءاً من العمل على منعه، ومروراً بحله إن وقع، ووصولاً لجهود بناء السلام واستدامته.

ولهذا، حرصت دولة الإمارات على تنظيم هذا الاجتماع، إيماناً منها بالحاجة الملحة لتجديد التزامِنا المشترك بتعزيز السلام وقيم التسامح والتعايش السلمي، باعتبارها أساس بناء سلامٍ مستدام ومجتمعاتٍ سلمية ومزدهرة.

ونرى في هذا السياق، أن التصدي للتطرف والعنصرية وخطاب الكراهية في حالات النزاع، يتطلب حلولاً متعددة تمتدُ على مختلف القطاعات والسياسات العامة، ويشارك في وضعِها وتنفيذِها جميعُ الجهات الفاعلة. إذ يمكن، على سبيل المثال، أن تضطلع الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص بدورٍ هام في بناء الجسور وتطوير السياسات وابتكار الحلول للتصدي لهذه التهديدات. ولابد أن نضمن المشاركة الكاملة والهادفة والمتساوية للمرأة في هذه المساعي، لدورها الجوهري في اتباع نهج مستدام لتحقيق المصالحة والسلام.

ولتكتمل جهودُنا في تعزيز صمود مجتمعاتِنا وتحقيق السلام، لابد من إشراك قادة الدين وقادة المجتمعات المحلية، الذين يمكنُهُم عبرَ التواصل مع المجتمعات المحلية رفع وعيهم بأهمية قيم التسامح والتعايش السلمي وتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان. ونقدر هنا المساهمات العديدة لفضيلة الإمام الأكبر وقداسة البابا فرنسيس لتعزيز قيم الأخوة الإنسانية والعيش المشترك وتصحيح المفاهيم المغلوطة.

أما التعليم، فهو أداة أساسية للوقاية، حيث يزود الشباب وأجيال المستقبل بالمعارف والمهارات التي تمكنُهُم من دحض الخطاب المتطرف والمساهمة بشكلٍ بناء في نهضة مجتمعاتهم ومناصرة قضايا السلام.

ويمكن في هذا الإطار الاستفادة من الجهود القيّمة التي بذلَتها منظومة الأمم المتحدة لمكافحة خطاب الكراهية والعنصرية والتعصب، ومنها استراتيجية وخطة عمل الأمين العام بشأن خطاب الكراهية، والتي تجسد مبادرة المنظمة لمنع النزاعات واستدامة السلام.

ومن هذا المنطلق، قدمت دولة الإمارات مع المملكة المتحدة مشروعَ قرارٍ لمجلس الأمن يهدف لمعالجة تهديدات خطاب الكراهية والعنصرية والتطرف بجميع أشكاله وصوره في حالات النزاع ويعزز التسامح والتعايش السلمي على نحوٍ استباقي وشامل.

كما نستمِد نهجَنا ومبادراتِنا من منطلق التجربة الصعبة التي مرت بها منطقتُنا العربية بعد انتشار خطاب الكراهية وتسببه في نشوب نزاعاتٍ وتفاقمها وإطالتها، ففي مواجهة هذا الواقع، تمكنت دولة الإمارات عبر ترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمي والتفاهم المتبادل من احتضان أكثر من مئتي جنسية تعيش بسلامٍ ووئام على أرضِها، وسنواصل العمل عبرَ كافة السبل والمستويات المحلية والاقليمية والدولية للتشجيع على ثقافة السلام ودحض الخطاب المتطرف.

وختاماً، أصحاب المعالي والسعادة، لقد شكّل اجتماع اليوم خطوةً مهمة نحوَ تعزيز الوقاية كركيزةٍ أساسية في جهودِنا الدولية لصون السلم والأمن، ولكن علينا بذلَ المزيد من الجهود في هذا الاتجاه، بحيث نتجاوز أنماطنا التاريخية بالاستجابة للتهديدات بعدَ فوات الأوان، لنكون بدَلاً من ذلك، استباقيين لها، وعمليين في معالجتها، فتلك هي الرؤية التي تؤمن بها دولة الإمارات لإنقاذ الأجيال من النزاعات وتمكينِهم من أخذ دورٍ فاعل في بناء مستقبلٍ أفضل لهم، مستقبل يعمُّه الأمن والاستقرار والسلام.

وشكراً.