تلقيه معالي ريم الهاشمي وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي
السيد الرئيس،
أشكُر الأمين العام أنطونيو غوتيرش على بيانه الهام، كما أشكر كلاً من المنسق الخاص تور وينسلاند، والسيدة لين هاستينغز، على احاطاتهم المُفصلة ومساعيهم الهامة خلال هذه الفترة.
السيد الرئيس،
تشهد منطقتنا في الوقت الحالي أحد أصعب الأزمات في تاريخها الحديث، وفي ظل هذه التطورات الحرجة، أود أن أسلط الضوء على عدد من النقاط الأساسية التي يجب أن تُشكل أبرز الأولويات في الوقت الراهن:
أولاً، يجب بذل قصارى الجهود الدبلوماسية وتسخير كافة الإمكانيات للتوصل إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار، حيث إن استمرار وتصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة يؤكد أن كل تأخير في إخماد هذه الحرب يعني وقوع المزيد من الضحايا والدمار، ويهدد بتوسع رقعة الصراع في المنطقة، خاصة مع انتشار الجماعات المسلحة والمتطرفة فيها التي لن تدخر جهداً لاستغلال هذا النزاع لتحقيق أجنداتها الظلامية.
فقد شهدنا مؤخراً تنامي التوترات في المنطقة، سواء في جنوب لبنان أو الجولان السوري المحتل، أو عبر البحر الأحمر، ولا يخفى عليكم بأن انزلاق المنطقة في حرب إقليمية سيؤدي إلا ما لا يُحمد عقباه، حيث لن يكون أمن المنطقة على المحك فحسب، بل قد تمتد نيران الحرب لتزعزع الاستقرار حول العالم.
ولهذا، يجب أن تنصب التحركات الإقليمية والدولية على خفض التصعيد واستعادة الهدوء بأسرع وقت. ونرحب في هذا الصدد، بانعقاد قمة القاهرة للسلام السبت الماضي، والتي تعالت فيها الدعوات إلى وقف إطلاق النار، كما نثمّن الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي تبذلها دول المنطقة والجهات الدولية الفاعلة.
ثانياً، يجب السماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكلٍ آمن وعاجل ومستدام ودون عوائق، وعلى النحو الذي يلبي الاحتياجات الأساسية والضرورية، مع إنهاء الحصار الجائر الذي طال أمده، للحد من الأزمة الإنسانية الكارثية التي تفاقمت بفعل انقطاع الكهرباء والمياه والغذاء، إلى جانب نفاد المستلزمات الطبية وتدهور القطاع الصحي، بما يعرض حياة المرضى والأطفال الخدَّج لخطر داهم. كما يجب إدخال الوقود الذي يعد أساسياً لتشغيل المستشفيات ومرافق المياه وغيرها.
ومع تقديرنا للجهود الدؤوبة التي تبذلها جمهورية مصر العربية والأمم المتحدة لدعم إيصال المساعدات عبر معبر رفح، والتي تكللت بإدخال عدة شُحنات من المساعدات الدولية إلى غزة خلال الأيام الأربعة الماضية، إلا أننا نشدد على ضرورة مواصلة العمل على إيصال المزيد من المساعدات إلى القطاع، خاصةً وأن إجمالي عدد الشاحنات التي عبرت إلى القطاع في الأيام الماضية ضئيل جداً ولا يلبي الحجم الهائل للاحتياجات على الأرض، حيث يشكل ما نسبته أربعة بالمئة فقط من عدد شاحنات المساعدات التي كانت تدخل قبل اندلاع هذه الأزمة.
ثالثاً، وكما ذكر الأمين العام، فإن للحروب قوانين تحكمها، وفي مقدمتها حماية المدنيين.
لقد قُتل حتى الآن أكثر من خمسة آلاف فلسطيني، منهم ألفين طفل، فيما نزح أكثر من ستين بالمائة من سكان القطاع بحثاً عن مأوى في مكانٍ يخلو من أي ملاذٍ آمن، فضلاً عن تدمير ثلاث وأربعين بالمئة من الوحدات السكنية في غزة، حسبما أوردت الأمم المتحدة.
وكما أكدنا منذ بداية هذه الأزمة، فإن إسرائيل مطالبة بعدم استهداف المدنيين والأعيان المدنية، ومنها المستشفيات والمدارس ومرافق الأمم المتحدة. كما ندين مقتل عددٍ كبير من الصحفيين والعاملين في المجال الإنساني والطواقم الطبية، ونشدد على ضرورة حمايتهم بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني.
وبينما نكرر أن الهجمات التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر هي هجمات بربرية وشنيعة، ونطالبها بالإطلاق الفوري وغير المشروط لسراح الرهائن، لحقن الدماء وتجنيب جميع المدنيين المزيد من الويلات، إلا أننا نؤكد في الوقت ذاته بأن جرائم حماس بحق المدنيين لا يمكن أن تبرر إطلاقاً سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، حيث يجب أن تحترم إسرائيل التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، وأن تضمن حماية المدنيين.
ونكرر مجدداً رفضنا القاطع لأوامر إسرائيل بإخلاء أكثر من مليون شخص من شمال غزة إلى جنوبها، ونطالب بإلغائها، ونحذر من أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه بشكلٍ قسري، والذي يهُدد بنكبة جديدة.
السيد الرئيس،
بينما نواصل العمل على وقف هذه الحرب، يجب ألا ننظر إليها بمعزلٍ عن الوضع القائم في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ قرابة الستة عقود، والتصعيدات الخطيرة التي شهدناها في الآونة الأخيرة.
فقطاع غزة حبيسُ حصارٍ فُرض عليه منذ حوالي سبعة عشر عاماً، ويرزحُ تحت وَطأة الجوع والفقر والبطالة. أما الضفة الغربية، فتشهد منذ العام الماضي، ارتفاعاً حاداً في عدد القتلى وهجمات المستوطنين الذين استشرى عنفُهم ضد المدنيين الفلسطينيين، بالإضافة إلى الإعلان عن إنشاء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة، واستمرار عمليات هدم الممتلكات، وتهجير الآلاف، والتلويح الخطير بخطط الضم، ناهيكم عن الاعتداءات المستمرة على المدن والقرى الفلسطينية.
كما شهدت القدس هذا العام تحديداً تزايد الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك من قبل المتطرفين وأعضاء في الحكومة الإسرائيلية وبحماية من القوات الأمنية الإسرائيلية.
إن خلق بيئة يسودها السلام والاستقرار يعتمد بالدرجة الأولى على وقف جميع الممارسات غير الشرعية، واتخاذ تدابير لبناء الثقة بين الأطراف واستئناف عملية مفاوضات جدية وذات مصداقية، إلى جانب الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم في القدس ومقدساتها، واحترام دور المملكة الأردنية الهاشمية في رعاية المقدسات والأوقاف في المدينة.
وختاماً، السيد الرئيس، فقد أثبتت الأحداث الأخيرة الحاجة الماسة لتجاوز النُّهُج العقيمة في إدارة هذا النزاع. قبل أكثر من خمسين عاماً حين اندلعت حرب عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين، تأخر هذا المجلس في اعتماد قرارٍ لوقف الحرب والذي ساهم في انطلاق أطول احتلال عسكري مستمر إلى يومنا هذا، فهل نترك شعوب المنطقة تعيش في سلسةٍ من الحروب والعنف والكره المتراكم من جيلٍ إلى آخر؟
حرصاً منا على تفادي ذلك، تؤكد دولة الإمارات على ضرورة اعتماد قرارٍ يدعو إلى وقف إطلاق نارٍ إنساني على نحوٍ فوري ومستدام، ومن ثم العمل جدياً على التوصل إلى حل عادلٍ ودائمٍ وشاملٍ لهذا النزاع، بما يتيح لكلا الشعبين العيش في سلامٍ وأمن دائمين.
كما تواصل دولة الإمارات الدعوة إلى جعل الحوار والتعايش السلمي والتعاون مساراً لإحلال الاستقرار في المنطقة، واليوم، نطلب منكم دعم هذه الرؤية، لتحقيق تطلعات شعوب المنطقة في التقدم والازدهار.
إن الإنسانية اليوم، تواجه اختباراً مِفصَلياً، وعلينا، كقيادات مسؤولةٍ وواعية، خاصة في هذا المجلس، أن ننجح في هذا الاختبار من خلال الدفع بخيار السلام، وإحياء حل الدولتين الذي تبرز الحاجة لتحقيقه اليوم أكثر من أي وقت مضى، وتلبية تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة. والذي يستوجب التصدي للأزمة ومعالجتها عوضاً عن الاكتفاء بإدارتها، فمن غير المنطقي تكرار نفس النهج تجاه هذا النزاع وتوقع نتائج مختلفة.
وشكراً، السيد الرئيس.