مشاركة

يلقيه معالي خليفة شاهين، وزير دولة

السيد الرئيس،

أود بدايةً أن أشكُرك معالي سيرجي لافروف على ترؤسكم هذه المناقشة الرفيعة المستوى. وأشكر أيضاً المنسق الخاص السيد تور وينسلاند على إحاطته ومساعيه المتواصلة لتهدئة التوترات.

وأود في مُستهَل البيان أن أهنئ الأمة الإسلامية بمناسبة عيد الفطر السعيد، ويسرنا تَمكُن آلاف المصلين من تأدية صلاة العيد في المسجد الأقصى المبارك بهدوءٍ وسلام، بعيداً عن الأحداث المؤلمة التي شهدناها خلال شهر رمضان حين اعتدت عليهم قوات الشرطة الإسرائيلية في انتهاك لحُرمَة وقُدسية دور العبادة وحُرية ممارسة الشعائر الدينية.

وكما أكدنا في مناسباتٍ عديدة، ونؤكد مجدداً اليوم، إن لمدينةِ القدس مكانةً خاصة لا يجوز المَساسُ بها، بما يعني احترام وضعها التاريخي والقانوني القائم، واحترام الوصاية الهاشمية على المقدسات فيها، قولاً وفعلاً.

ونرى أن قرار إسرائيل بمنع المستوطنين من اقتحام المسجد الأقصى خلال الأيام العشرة الأخيرة من رمضان قد حال دون المزيد من المواجهات. ولكن يؤسفنا عودة الاضطرابات إلى مدينة القدس بعد هجمات يوم أمس، والتي تعكس حالة الأوضاع المستمرة في التدهور منذ مطلع هذا العام.

ونعرب هنا عن بالغ قلقنا إزاء استمرار أعمال العنف وتزايد الاقتحامات وعمليات الهدم والتهجير بحق الفلسطينيين والتي تزيد من اشتعال الأوضاع، لتصل بذلك أعداد الضحايا في صفوفهم خلال أول ثلاثة أشهر لهذا العام حوالي خمسين بالمئة من مجموع ضحايا العام الماضي بأكمله، والذي اعُتبِر الأكثر دموية منذ حوالي عقدين.

كما جاء الهجوم الشنيع على قرية حوّارة الفلسطينية ليدق أيضاً ناقوس الخطر تجاه طبيعة المرحلة المقبلة، في حال استمرت إسرائيل في تقوية شوكة المستوطنين وتوفير الحصانة القانونية لهم وتوظيفهم كأداة أخرى للاستيلاء على المزيد من الأرض الفلسطينية المحتلة، إلى جانب أنشطتها الاستيطانية المستمرة.

وهنا، ألفت انتباهكم إلى وجود حوالي 700 ألف مستوطن في 279 مستوطنة أنشأت بغير حق على الأرض الفلسطينية المحتلة، منها 147 بؤرة استيطانية وفقاً للأمم المتحدة.

والخُلاصة من طرح هذه الأرقام التي تجسد حقائق مُفزِعة على الأرض هي الحاجة الملحة لحماية حل الدولتين؛ الحل الذي يمثل الرؤية التي أجمع عليها المجتمع الدولي وهذا المجلس لإنهاء الصراع؛ وهو الحل الذي لا نرى له بديلاً لتعايش دولتي فلسطين وإسرائيل جنباً إلى جنب بسلام وأمن واعترافٍ متبادل.

ولهذا، نكرر مطالبتَنا إسرائيل بالوقف الفوري لجميع الأنشطة الاستيطانية، والعمل على نقض الاتجاهات السلبية على الأرض، وأن تلتزم بمسؤولياتها وفقاً للقانون الدولي، بما يشمل القانون الدولي الإنساني.

السيد الرئيس، السادة أعضاء المجلس،

لا يَخفى عليكم أن هذا الصراع يمر بمرحلةٍ بالغة الدقة والخطورة، خاصةً مع الخروقات المستمرة للهدنة الهشة في قطاع غزة، واتساع رقعة التصعيد كما شهدنا مؤخراً من تبادلٍ الصواريخ بين جنوب لبنان وإسرائيل. فهذه الاشتباكات والتوترات العالية تدل على أبعاد هذا الصراع على المنطقة وهشاشة أمنها واستقرارها.

ولذلك، لم يَعُد ممكناً أن يتعامل المجتمع الدولي مع هذا الصراع بالتراخي الذي شهدناه في الأعوام الماضية، إذ يُحتم علينا الوضع الحالي مواصلة الضغط لخفض التصعيد، على كافة الجبهات، والدعوة لممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب الخطوات الأحادية.

ونرى هنا أنَّ أمامَنا فرصة سانحة لا يجب التفريط بها ألا وهي البناء على الزخَم الذي ولدته اجتماعات العقَبة وشرم الشيخ، حيث توصل الطرفان إلى تفاهماتٍ بعد توقف أي محادثات جدية بينهما منذ عام 2014. ويقتضي هذا أن تنصب الجهود لضمان تنفيذ هذه التفاهمات والالتزام بها، مع ضرورة تكثيف العمل لاستعادة الثقة بين الأطراف وإتاحة المجال أمامها لشق طريق العودة إلى المفاوضات المباشرة، حول قضايا الوضع النهائي.

نحن ندرك أن المسؤولية الرئيسية لإخماد فتيل العنف، تقع على عاتق الأطراف التي أشعلته في المقام الأول، ولكن تحتم علينا مسؤولياتنا كمجتمع دولي، ومجلسٍ مسؤول عن صون السلم والأمن الدوليين، أن نظل ثابتين في رفضِنا لأي انتهاكات للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، بما في ذلك جميع أعمال العنف الموجهة ضد المدنيين، وهذا ما أكده المجلس في بيانه الرئاسي الأخير.

إننا نأمل أن يواصل المجتمع الدولي الإعراب عن رفضه القاطع للخطابات التي تدفع إلى التصعيد، فحالة الاحتقان الراهنة لا تحتمل مزيداً من التحريض على العنف والكراهية، وما يقف على المحك ليس فقط مصير شعبين يستحقان العيش بأمن وسلام، وإنما أيضاً أمن واستقرار المنطقة بأسرِها.

وبدورها، ستواصل دولة الإمارات العربية المتحدة دعم كافة الجهود الإقليمية والدولية الموجهة لتحقيق هذه الغايات، ولن نتوقف يوماً عن تضامننا الراسخ مع الشعب الفلسطيني الشقيق، وحقه المشروع في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. 

وأخيراً، السيد الرئيس، وفي ظل ما تمر به منطقتنا من تحديات وأزمات مستمرة، آخرها التطورات في السودان، بات ملحاً إعلاء الأصوات الداعية إلى الحوار، وتسوية النزاعات سلمياً، وتوظيف كل السبل الدبلوماسية المتاحة وقنوات الاتصال المفتوحة، لتدارك التوترات في أرجاء المنطقة، وتعزيز الاستقرار فيها، إذ نأمل أن تثبت المرحلة القادمة قدرة العمل متعدد الأطراف على تفادي نزاعات دامية تلوح في الأفق.

وشكراً، السيد الرئيس.