يلقيه معالي خليفة شاهين، وزير دولة
السيد الرئيس،
أشكُر الأمين العام أنطونيو غوتيريش والمبعوث الخاص تور وينسلاند على بَياناتهم الهامّة، ونُقَدّر عالياً جهود الأمم المتحدة وتضحيات موظفيها في سبيل تقديم العَوْن لِقِطاع غزة خلال هذهِ الظروف الصعبة.
السيد الرئيس،
في مساحة لا تتجاوَز 365 كيلومتراً مربعاً، يَتَعرَّض أكثر من مليونَي فلسطيني في قِطاع غزة لهجوم إسرائيلي، لا يُراعي القِيَم الإنسانية ولا يلتزِم بالقوانين والأعراف الدولية، حيث قُصِف أكثر من 15000 هَدَفٍ في هذه المساحة الصغيرة راح ضَحِيتَهُ وفقاً للأمم المتحدة أكثر من 14000 فلسطيني – مُعظَمُهم من الأطفال والنساء، ولم يَسْلَم منهُ لا الطواقِم الطبية ولا الصحفيين ولا العاملين في الجِهات الإنسانية، مِمّا حَرَّك ضمائِر العالم بشكلٍ مُنقَطِع النظير.
إن مشاهدَ الدمار الكامل في غزة مُفْزِعة، وتكشف عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث سُوِّيَت أحياءٌ سكنية كاملة بِمَا فيها من الأرواح بالأرض، ودُمِّر 60% من الوَحَدات السكنية، وأكثر من 300 مِرفَق تعليمي، فيما يقف الناس في طوابير طويلة أمَلاً بالحصول على رغيف خُبز أو قَطَرات من المياه، في ظل منع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى غزة، باستثناء ما يُعتبَر “قطرةً في بحر” الاحتياجات.
وحتى الجَرحى والمرضى، فقد سُلِبوا حقَّهُم في الحصول على الرعاية الصحية بسبب استهداف إسرائيل المتَعَمَّد وغير المقبول للمستشفيات والمنشآت الصحية واخلائها قسراً وقطع الوقود والمستلزمات الطبية عنها، فانهارَ القِطاع الصحي، وبُترَت أطراف الأطفال دون تخدير، وأُخرِجَ الخُدَّج من الحاضِنات، وماتَ مرضى العناية المشددة، لتتحول هذه المرافق إلى مقابِر لمن فيها.
كما اضْطَرَّ مئات الآلاف للنزوح قسراً من شَمال غزة إلى جنوبِها، وسَط ظروفٍ بالغة الصعوبة والخُطورة، ودونَ أي مكانٍ آمِن يلجؤون إليه، في مشهدٍ مؤلم يُذكرنا بنكبة عام 1948. إنَّ بلوغ نسبة النازحين في غزة حوالي 80% منذ بدء العدوان، يتواجد منهم أكثر من مليون في مَرافِق الأونروا، يجسد مدى كارثية الوضع، خاصةً مع الشُّح الكبير في الامدادات الإغاثية.
ونكرر هنا أنَّ دولة الإمارات تُدين وبأشد العِبارات سياسة العِقاب الجماعي الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني الشقيق ومحاولات تهجير الفلسطينيين التي نرفُضُها جُملةً وتفصيلاً، فمستقبل غزة وإدارتُها يجب أن يظلا بيد الشعب الفلسطيني ولا يمكن القبول بأية فرضيات أو مخططات تسعى لفصل القِطاع عن دولة فلسطين.
كما نشدد على ضَرورة اعتماد المجتمع الدولي معايير واحدة من حيث إدانة انتهاكات القانون الدولي الإنساني، ومنها القصف العشوائي للمدنيين والأعيان المدنية ومَرافِق الأمم المتحدة، فالكيلُ بمكيالين حَيال هذه المسائل يخلق الفوضى في نظامِنا الدولي الذي يجب أن يظَلَّ قائماً على احترام القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، لصون السلم والأمن الدوليين.
السيد الرئيس،
ترى دولة الإمارات بعد أسابيع من التصعيد الخطير أن الهُدنة التي توصل إليها الطرفان الأسبوع الماضي لوقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام وإدخال مساعدات محددة مع تبادل الأسرى الفلسطينيين والمحتجزين الإسرائيليين، ومن ثم تمديدها ليومين آخرين، يمثل بادرةَ أمل يجب البِناء عليها. ويشمل ذلك السماح بتوسيع نطاق المساعدات الانسانية ومواصَلة تمديد الهُدنة لإتاحة الوقت والمجال الكافيين للأنشطة الإغاثية الهامة كإخراج آلاف العالقين تحت الرُكام، مع العمل في الوقت ذاتِه للتوصل إلى وقفٍ فَوري ودائم لإطلاق النار.
ونعرب هنا عن تقديرِنا للجهود والمساعي الدبلوماسية القَطرية والمصرية والأمريكية الحثيثة في التوصل لهذا الاتفاق ودعمِ تنفيذِه، وكذلك في التعامل مع إحدى أصعب الأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط اليوم.
كما نؤكد على أهمية ضمان التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2712، والذي يطالب جميع الأطراف باحترام التزاماتِها بموجب القانون الدولي ويدعو إلى هُدَن إنسانية عاجلة وممتدة وإلى إطلاق سراح المحتَجَزين دونَ شروط. وبالإشارة إلى المسائل التي ذكَرَها الأمين العام بهذا الشأن في بيانِهِ اليوم، نشدد على أهمية وضع آليات لمراقبة تنفيذ هذا القرار على نحوٍ فعال.
ومن الضَروري أيضاً العمل على تحسين آليات إدخال المساعدات إلى غزة عَبرَ كافة الطرق والمعابر وعلى نحوٍ آمِن ودائم ودونَ عوائق وبالكميات التي تناسب حجم الاحتياجات على الأرض، وضمان توزيعِها لجميع المحتاجين، دونَ أية قُيود أو تأخير. ونشيد هنا بجمهورية مصر العربية في تيسير معبر رفح من جانبها لإدخال المساعدات وإتاحة خروج المرضى والمصابين والرهائن وغيرِهِم من المدنيين.
وبدورِنا، فلم تألُ دولة الإمارات جُهداً للوقوف بجانب الشعب الفلسطيني الشقيق في أصعب الِمحَن، حيثُ بدأنا قبل عدة أيام بإدخال المواد اللازمة لإنشاء مستشفى ميداني في قطاع غزة بإشراف فريقٍ طِبي إماراتي. كما استقبلنا دفعات من الأطفال في مستشفيات الدولة، كجزء من مبادرتِنا لاستضافة ألف طفل مع عائلاتِهم لتلَقّي الرعاية الصحية اللازمة، إلى جانب استضافة ألف فلسطيني من مرضى السرطان. وهذا بالإضافة إلى المساهمات التي قدمناها لوكالة الأونروا والحملة الشعبية التي أطلقناها من أجل دعم المتضررين في غزة، والتي جمعت أكثر من 1600 طن من المواد الاغاثية التي تم ايصالها للعبور الى قطاع غزة.
السيد الرئيس،
بينما تتجه أنظارُ العالم إلى الوضع الكارثي في قِطاع غزة، علينا ألا نَغفَل الأوضاع المقلِقة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث تشهد هذه المناطق عُدواناً اسرائيلياً متصاعداً منذ مطلع هذا العام، راح ضحيتَهُ أربعمئة فلسطيني، فالاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى أصبحت بمثابة أمرٍ معتاد للجماعات المتطرفة تحت حماية السُلُطات الإسرائيلية، ووصل عنف المستوطنين ذروتَهُ وباتَ يتخذ اشكالاً أكثر خطورة وحِدّة، فيما طالَ القصف الإسرائيلي مخيمات اللاجئين في جِنين ونابلس وغيرها، وذلك في الوقت الذي تُواصلُ فيهِ إسرائيل بناء وتوسيع المستوطنات التي تقطع أواصِرَ المجتمعات الفلسطينية وتنتهِك القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.
إنَّ جميع تلكَ الممارسات غير الشرعية يجب أن تتوقف الآن، ونؤكد أيضاً أنَّ حالة الغليان الراهنة لا تحتمِل مزيداً من الخُطُوات الاستفزازية والخِطابات المحَرّضة على العنف والكراهية، فأمنُ كِلا الشعبين والمنطقة في الِمحَك.
السيد الرئيس،
لقد أثبتت الاحداثُ الأخيرة ضَرورة توقُّف المجتمع الدولي عن إدارة هذا النزاع، وأن نعمل بدلاً من ذلك على التسريع في إعادة إحياء الأمل بإمكانية التوصل إلى حلٍ سياسي عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية، عَبرَ العمل منذ الآن على تهيئة الظروف الملائمة لاستئناف مفاوضات جادة، تستند الى المرجعيات المتفق عليها لتحقيق حل الدولتين، بحيث يتم البدء في تنفيذ هذه الخُطُوات فَوْرَ التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار.
ونؤكد أنَّ تحقيق سلامٍ دائم لن يكون ممكناً دونَ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية والعربية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في أمنٍ وسلام واعتراف مُتبادَل.
ويجب في الوقتِ ذاتِه الحَيلولة دونَ انزلاق المنطقة في حربٍ إقليمية ستطال تداعياتها العالم أجمع، إذ يجب وقف المناوشات الجارية في جنوب لبنان والجولان السوري والبحر الأحمر. كما لا يمكن أن نترك منطقتَنا رهينة الأزمات والنزاعات، فشعوبُنا تستحق العيش بأمنٍ واستقرار، وشبابنُا يتطلعون لمستقبلٍ أفضل، ونحن في دولة الإمارات عازمون على الدفع نحو ذلك.
وشكراً، السيد الرئيس.