تلقيه معالي السفيرة لانا نسيبة، المندوبة الدائمة
السيد الرئيس،
سبق واقع غزة كأحد أكثر الأماكن بؤساً على وجه البسيطة وبمدة طويلة، هجمة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، والتي لا يمكن تبرريها. وقد أدان جميع أعضاء مجلس الأمن القتل العشوائي للمدنيين الإسرائيليين الأبرياء، واحتجاز 199 منهم كرهائن، بمن فيهم الأطفال.
وبدورنا نكرر هنا في هذا المجلس تلك الإدانة، لكن، وجب التنويه بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني ولا سكان غزة الذين يعانون أشد المعاناة يومياً، الأمر الذي يستدعي الحاجة الملحة لوحدة المجلس بشأن هذا الملف.
في يناير من هذا العام، أشار تقييم الأمم المتحدة للاحتياجات الإنسانية في غزة إلى أن بقاء مليوناً و300 ألف شخص على قيد الحياة مرتبط بحصولهم على المساعدات، وقد كان نصف هذا العدد من الأطفال، فيما صُنف ما يقارب الستين بالمائة من هذه الاحتياجات ما بين الشديدة والكارثية. أما في العقد الماضي وحده، فقد عاش سكان غزة ثلاث جولات من العنف في هذا الصراع الممتد مما أفقد أطفال غزة الأمل.
كان هذا توصيف الكابوس الذي تعيشه غزة قبل 10 شهور من استشراء الحرب، واليوم، يواجه المدنيون فيها مرة أخرى حرباً مدمرة، بلا ملجأ ليفروا إليه من ويلاتها.
غزة، أحد أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان على وجه الأرض، محاصرة، ويتعذر فيها الحصول على الوقود، أو الكهرباء، أو الغذاء، أو الماء، أو الإمدادات الطبية.
ويعتمد فيها مليونا إنسان على خط أنابيب واحد للمياه، حيث انعدام الكهرباء شلَّ العمل في محطات التحلية الثلاث.
وإزاء هذه الخلفية المروعة، يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن الدعوة إلى إجلاء أكثر من مليون شخص بلا مأمن ليقصدوه ولا مساعدة، تشكل مطلباً لا يمكن تبريره أو تحقيقه.
من هنا، يتعين على هذا المجلس العمل بما يتجاوز الإدلاء ببيانات، وأقله أن يكون قادراً على الالتقاء حول الحاجة إلى حماية جميع المدنيين، والإفراج غير المشروط عن كافة الرهائن، وتوفير المساعدة الإنسانية بشكل آمن.
المطلوب هو الاستعادة الكاملة للوصول إلى الوقود والغذاء والمياه والمعونات الطبية وغيرها من الضروريات الأساسية، وإنشاء إطارٍ يؤمن سلامة العاملين في المجال الإنساني، والذين يومياً يخاطرون بحياتهم بكل شجاعة، بالإضافة إلى تأمين سرعة إيصال المساعدات الإنسانية بدون عوائق.
ولذلك، فإن الدعوة إلى وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية، تشكل ضرورة ملحة لكل ما سبق.
إن مشروع القرار الذي قدمه الوفد الروسي يستجيب لهذه الاحتياجات الإنسانية المحددة، ولهذا جاء تصويت دولة الإمارات لصالحه، ولذلك أيضاً، نشعر بخيبة الأمل لأنه لم يحظ بدعم المجلس اليوم.
ونشكر الرئاسة على جهودها، وكلنا أمل بسرعة استجابة المجلس وبصوتٍ واحد لمن هم في أمس الحاجة على أرض الواقع.
السيد الرئيس،
حري بهذا المجلس القدرة على الإجماع حول أمرين: التمسك بالقانون الإنساني الدولي ورفضه للهجمات العشوائية وعدم تبريرها، وإنهاء دوامة العنف.
إن أحداث الأيام التسعة الماضية أوضحت بشكلٍ مؤلم أن شبح إراقة الدماء، سيظل يطارد الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، في ظل غياب الأفق السياسي الجاد.
كتب الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش أن “الحياة التي لا تُعرّف إلا بضدٍ هو الموت.. ليست حياة”. لا يستحق الفلسطينيون والإسرائيليون العيش فقط، وهو الحد الأدنى، بل النهضة، جنباً إلى جنب، في دولهم المستقلة والمزدهرة والآمنة.
وشكراً السيد الرئيس.