مشاركة

تلقيه معالي السفيرة لانا نسيبة، المندوبة الدائمة

شكراً السيدة الرئيسة،

وأشكر كل من السيد مارتن غريفيث، منسق الإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة، والسيد ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، والسيد مكسيموس توريرو، كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة، على إحاطاتهم القيّمة، فوفقاً لوصفهم حجم الأزمة والتي كما حددها ديفيد بقوله إنها ذات أبعاد كارثية، خاصة ما يتعلق بالتوقعات التي ذكروها بشأن احتمال تعرض مئات الآلاف من الأشخاص لمستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، والتي تثير حقاً القلق العميق، وتستدعي منا عدم تجاهل هذه الدعوة للعمل من أجل تخفيف حجم تلك الكارثة.

لقد اعتمد مجلس الأمن منذ أربع سنوات القرار 2417 بالإجماع، والذي اعترف بآثار النزاع المسلح على الأمن الغذائي، وذكر أن مجلس الأمن يعتزم توجيه اهتمامه الكامل لهذه المسألة. واليوم نحن في أمس الحاجة لتكريس اهتمامنا الكامل لهذه المسألة والتي أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى. ولا يسعنا هنا إلا التوجه بالشكر لأولئك الذين عرضوا هذا الأمر على المجلس.

وفي سياق مناقشتنا بشأن تأثير انعدام الأمن الغذائي على بعض حالات الصراع التي نتناولها اليوم، والتي أوضحها بدايةً مقدمو الإحاطات، أود التركيز على ما يلي:

فيما يتعلق باليمن، نؤكد مجدداً على ضرورة وقف الحوثيين لكافة انتهاكاتهم للهدنة الإنسانية الحالية وتطبيقها بشكل كامل، لكي نرى طريقنا من خلال ذلك. لقد أكدت مذكرة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن إغلاق الحوثيين للطرق داخل وخارج تعز،  يتسبب في “إطالة أمد المعاناة الشديدة التي يتعرض لها السكان المدنيين”، إذ تؤثر هذه المسألة الإنسانية البحتة في حياة الملايين من اليمنيين، وتحتاج إلى إيجاد حل لها بدون تأخير. كما أوضحت المذكرة أيضاً كيف أن الدعم الاقتصادي العاجل يساهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان.

أما في القرن الأفريقي، بما يتضمن أثيوبيا والصومال، فما زال النشاط الزراعي يتأثر بتغير المناخ والظواهر ،مثل ندرة المياه وتدهور الأراضي الزراعية، ودورات الجفاف والفيضانات المهلكة. وتتفاقم هذه الآثار بشكل كبير مع نشوب الصراعات والعنف والنزوح في جميع أنحاء المنطقة، لذلك، من المهم ضمان حصول الملايين من الأشخاص المعرضين للمجاعة على الغذاء. كما يجب على المجتمع الدولي دعم جهود الشركاء المحليين والإقليميين في القرن الأفريقي، من أجل تطوير آليات تساعد المجتمعات على تعزيز قدرتها على التحمل، لتخفيف مخاطر تزايد حدة انعدام الأمن الغذائي. ويتعين على أثيوبيا بشكل خاص، الاستفادة من التطورات الأخيرة في الحفاظ على الهدنة الإنسانية غير المحددة المدة، والتي ساعدت على استئناف وصول المساعدات الإنسانية.

وأخيراً في جنوب السودان، لقد أدت الديناميكيات المعقدة والتحديات التي يواجهها هذا البلد، بما في ذلك التوترات الطائفية المتزايدة والتداعيات الناجمة عن تغير المناخ والبنية التحتية المحدودة التنمية. الأمر الذي زادت معه أهمية جهودنا الجماعية لتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب في جنوب السودان أكثر من أي وقت مضى.

أما بالنسبة لتداعيات انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم، فإنني أود التركيز على القضايا الهامة الثلاث التالية:

أولاً، نعلم أن اتباع نهج فردي قصير المدى لا يكفي لمعالجة آثار النزاع المسلح، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتوقف النمو الاقتصادي، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية. وينبغي على جميع أطراف النزاع المشاركة بشكل بناء في صياغة إطار للتعاون المستمر بشأن المسائل المتعلقة بوصول المساعدات الإنسانية، والتحديات الأمنية، وتوزيع الغذاء. وفي الواقع، يعتبر انعدام الأمن الغذائي في جانب منه انعكاساً لانقسامات عميقة. الميزة الإضافية لهذا النهج هي أن التعاون بين الأطراف لمعالجة الأمن الغذائي على المستوى التقني، يمكن أن يساعد حقاً في بناء الثقة اللازمة لتحقيق تقدم سياسي أوسع نطاقاً بشأن القضايا الكامنة وراء الصراع.

ثانياً ، نحن بحاجة اليوم لبذل المزيد من الجهد للتخفيف من آثار أزمة الغذاء العالمية التي تراكمت نتيجة الصراع الأخير، إذ تشكل أوكرانيا وروسيا نسبة 12% من تجارة الغذاء على مستوى العالم، ويعتمد عليهما حوالي 26 دولة في تلبية 50% من احتياجاتهما من الحبوب. وتدرك دولة الإمارات، والتي تستورد غالبية موادها الغذائية، المخاطر التي يتعرض لها مستوردو المواد الغذائية. ومما زاد الوضع سوءاً، ارتفاع أسعار الأسمدة والذي تسبب في خلق المزيد من الضغوطات على منتجي الأغذية، وارتفاع  التكاليف، وقلة المحاصيل، مما يهدد عدم توافرها في المستقبل. ولذلك، يجب أن تصل الحبوب والمواد الغذائية الأخرى في أوكرانيا إلى من هم في أمس الحاجة إليها، وليس فقط إلى أولئك القادرين على سداد ثمنها. وبالمثل، وكما ورد في الإحاطة التي استمعنا إليها بداية هذا الاجتماع، تلعب الأسمدة دوراً مهماً في الحفاظ على المحاصيل مستقبلاً، ويجب أن تكون الأسمدة الروسية متوافرة في الأسواق العالمية، لضمان عدم تعرض الإنتاج الزراعي لمزيد من الخطر في المستقبل.

ثالثاً، تعتبر أزمة الأمن الغذائي الحالية مثالاً واضحاً على أن تغير المناخ يساهم في انعدام الأمن، فالبلدان النامية، لا سيما الهشة منها، أكثر عرضة للكوارث الطبيعية التي يسببها المناخ والتي بدورها تؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، مما يؤثر في حياة وسبل عيش الملايين من البشر حول العالم. كما أن نصيب الفرد من التمويل الحالي للمناخ، مازال يبلغ دولارين فقط للفرد الواحد في البلدان الهشة، وهو أقل بمقدار 80 مرة من البلدان النامية الأخرى التي تعاني أيضاً من نقص الخدمات. لذا، يجب إيلاء الأولوية إلى الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر، والعمل الاستباقي، وبناء قدرة القطاع الزراعي على التحمل. كما يجب تشجيع المؤسسات المالية الدولية على تمويل المخاطر، ولطالما دعت دولة الإمارات في المجلس إلى الأخذ في الاعتبار وبشكل منهجي بالدوافع غير التقليدية للصراعات، من خلال تلقي تحديثات منتظمة حول عوامل الخطر في البيئات الهشة. وهذا بدوره سيساعد المجلس في اتخاذ إجراءات وقائية، لمواجهة أي تدهور مقلق للأوضاع الأمنية والإنسانية.

ويعتبر المناخ والأمن الغذائي مترابطان بشكل وثيق، وكلاهما أساسي للحفاظ على السلم والأمن الدوليين. ومن هذا المنطلق، تتطلع دولة الإمارات إلى العمل مع جميع أعضاء المجلس، ومع كافة الدول الأعضاء، لضمان حصول موضوع الأمن الغذائي على الاهتمام العالمي الذي يستحقه.

وشكراً لكم.