مشاركة

تلقيه معالي السفيرة لانا نسيبة، المندوبة الدائمة

ترجمة غير رسمية

يرجى المراجعة أثناء الإلقاء

السيدة الرئيسة،

بداية، أتوجه بالشكر الجزيل إلى الولايات المتحدة على تنظيمها هذه الجلسة حول مسألة تتزايد أهميتها يوماً بعد يوم، كما أنتهز هذه الفرصة لأتوجه بالشكر إلى كل من وكيلة الأمين العام السيدة روزماري ديكارلو، والسيدة نيابولا والسيد درويت، على إحاطاتهم الوافية.

تشهد التقنيات الرقمية تقدماً بوتيرة مذهلة، ويمكننا أن نعود بذاكرتنا إلى العام 1989، عندما تم اختراع الشبكة العنكبوتية العالمية، والتي تلاها مع حلول نهاية العقد التالي، اختراع محرك البحث “غوغل” من قبل لاري بيدج وسيرجي بري. لم نكن نعي في ذلك الوقت، أن هذه الفكرة الجديدة القادمة من مرآب لتصليح السيارات في كاليفورنيا، ستغير حياتنا إلى الأبد، وأن التقدم سيكون بهذه السرعة خلال عقد من الزمن، حيث أصبح “غوغل” متوفراً للجميع على هواتفهم الذكية، وأداة لا غنى عنها في الحياة والعمل، ما أدى إلى تحقيق تقدم وتغيير هائل في كل المجالات.

والآن، تخيلوا أن هذا التقدم السريع ينطبق أيضاَ على استخدام التكنولوجيا لأغراض إجرامية في وقتنا الحالي، فعلى سبيل المثال، تعمل التقنيات الرقمية بشكل مستمر على مضاعفة قدرات أجهزة مثل الطائرات المسيّرة، والتي سيكون من الممكن في المستقبل القريب أن تستخدمها الجماعات الإرهابية بأسرابٍ لشن هجمات عابرة للحدود، عبر استغلال تقنية التعرف على الوجه وغيرها من الميزات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، من دون الحاجة إلى تبنيها من قبل دولة أو طرف غير تابع للدول. والسؤال هنا هو، كيف سترد الدول بشكل قانوني في المستقبل على مثل هذه الهجمات، وبما يتناسب مع القانون الدولي الإنساني؟

ولكي نمنع وقوع ذلك ولنرسم مستقبلاً أفضل للجميع، نحتاج إلى اتخاذ إجراءات عاجلة سواء من خلال هذا المجلس أو في المحافل الدولية الأخرى. ومن الواضح للعيان، أنه لا ينبغي توقّع إجابات ذات معانٍ واضحة، من المناقشات السياسية والأخلاقية التي لم تأخذ بعين الاعتبار التقنيات المتوفرة حالياً في كل مكان، والتي يمكن استخدامها بطرق مدمرة.

ليس لدينا شك في أن للتقنيات الرقمية مخاطر وتحديات، لا سيما من حيث قدرتها على تقوية الجماعات الإرهابية، إذ يمكن للتقنيات الرقمية أن تشكل عاملاً من عوامل إحلال السلام، كما سمعنا اليوم. فعلى سبيل المثال، تسمح لنا أنظمة الإنذار بالكوارث الطبيعية التي تعتمد على أحدث التقنيات والبيانات، بالتنبؤ بالظواهر المناخية المتطرفة، مثل الجفاف والأعاصير والفيضانات، ومنح المساعدات وفقاً لذلك، وهذا ما حدث فعلاً في الصومال، حيث ساعدت برامج العمل الاستباقية المتتالية، المجتمعات المحلية على معالجة الجفاف والنقص الكبير في المياه. وبفضل التقنيات المتطورة، تمكن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وشركاء آخرون، من تخفيف خطر فقدان سبل العيش وتدهور مستويات استهلاك الغذاء، وضمان الوصول إلى المياه، وذهاب الأطفال إلى المدارس.

لكن، هذا جزء من القصة.

وبناء على ما تقدم، يمكننا التأكيد أن توافر المعلومات ودقتها، من شأنه تمكين المجتمع الدولي من الاستجابة لتهديدات الأمن المناخي، كما إنها تنقذ الأرواح وتساعد في منع هشاشة المجتمعات من أن تكون سبباً لعدم الاستقرار.

وبينما ننظر إلى هذه الازدواجية في طبيعة التقنيات الرقمية، السلبية والإيجابية، نجد أنه حان الوقت لأن يتجاوز المجلس فكرة “الإعجاب بالمشكلة”، إلى مناقشة طرق محددة تمكنه من الاستفادة من الابتكارات التكنولوجية التي من شأنها المساهمة في تحقيق السلام والأمن المستدامين. وترغب دولة الإمارات اليوم في معالجة خمس قضايا محددة:

أولاً: ينبغي عدم السماح للجماعات الإرهابية والمتطرفة مثل داعش والقاعدة والعديد من الجماعات الأخرى باستخدام الإنترنت لنشر أجنداتها، والتلاعب بمليارات المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم الاستثمار المتزايد لشركات التكنولوجيا في أدوات الكشف عن المحتوى الضار باستخدام الذكاء الاصطناعي، وفي فرق الإشراف البشري لإزالة مثل هذا المحتوى من أنظمتها الأساسية، إلا أنه من الواضح أن هذا العمل الروتيني لا يكفي، حيث يستمر الإرهابيون والمتطرفون في نشر أفكارهم المتطرفة والتجنيد عبر الإنترنت. ولا تقتصر هذه المشكلة بأي حال من الأحوال على البلدان النامية. فقد تم استدراج مرتكبي عدد من جرائم الكراهية الأخيرة التي استهدفت أقليات دينية وعرقية في معظم أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، إلى التطرف من خلال منصات الإنترنت، كما جرى تجنيد عدد لا يحصى من أتباع داعش. لقد شهدنا في السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظاً في تعزيز الأطر التنظيمية والتشريعية لحماية المستخدمين من المحتوى الإرهابي والمتطرف، لكننا بحاجة إلى تسريع هذه الجهود، نظراً إلى عدم مواكبة الإطار المعياري الدولي لما يحدث. فالمسؤولية مشتركة ما بين شركات التكنولوجيا والحكومات.

ثانياً: يتوجب علينا معالجة الآثار السلبية التي نجمت عن حملات التضليل والمعلومات المضللة عبر الإنترنت، باستخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك ما يتعلق بعمليات السلام والأنشطة الإنسانية. لقد رأينا حالات تعرضت خلالها قوات حفظ السلام وعمال الإغاثة الإنسانية الذين يعرضون أنفسهم بالفعل للخطر من أجل حماية المدنيين، لمزيد من المخاطر بسبب انتشار المعلومات المضللة وحملات التضليل ضدهم. هناك ضرورة لأن تكون هناك استجابات فعالة لمكافحة المعلومات المضللة على كافة مستويات، بما يشمل القطاع الخاص، وذلك من خلال وضع القواعد واللوائح، والتأكد من الحقائق، وتصنيف المعلومات، وحملات التثقيف الإعلامي. كما ينبغي الترحيب بالاقتراحات التي قُدمت اليوم، والتي تدعو إلى زيادة قدرات الأمم المتحدة وإمكانياتها في هذا المجال.

ثالثاً: علينا الاستفادة من التقنيات الرقمية لتعزيز حماية المدنيين من الخطر. فعلى سبيل المثال، يستخدم العاملون في المجال الطبي وبعض الجهات الفاعلة الإنسانية، شارات الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، للإشارة إلى وجوب حمايتهم بموجب القانون الدولي الإنساني. ونظراً لأن هؤلاء الفاعلين يواجهون تهديدات رقمية جديدة، يجب النظر في توفير شعار رقمي يشير بوضوح إلى وجوب عدم استهدافهم عبر الإنترنت أو دون اتصال بالإنترنت، وأن تعزز هذه الشارة أو هذا الشعار وجوب حمايتهم، والمساءلة حول أي انتهاكات يتعرضون لها وفقاً للقانون الدولي الإنساني.

رابعاً: يؤثر الابتكار الرقمي على العالم الواقعي وليس فقط الافتراضي، إذ يضاعف من إمكانيات وقدرات أجهزة مثل الطائرات المسيّرة، كما ذكرت في بداية حديثي. ويمكن للطائرات المسيّرة التي تُستخدم لأغراض تجارية، الطيران بشكل أسرع، ولمسافات أبعد، ونقل حمولات أكبر، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي والأدوات الأخرى للعمل دون الحاجة إلى أجهزة تحكم يدوية. وكما تعلمون، فإن الطائرات المسيّرة، لا تعمل فقط في الهواء. ففي 3 مارس 2020، استخدمت جماعة الحوثي الإرهابية “زورقاً بدون قبطان”، يتم التحكم فيه عن بعدٍ، محملاً بالمتفجرات لمهاجمة ناقلة نفط قبالة السواحل اليمنية. لو نجح ذلك الهجوم، لكانت له آثار مدمرة، ليس فقط على الناقلة وطاقمها، ولكن على البيئة وطرق الإمداد العالمية على طول الساحل اليمني، والمجتمعات المحلية التي تعتمد على البحر في معيشتها.

في ما يتعلق باستخدام التكنولوجيا من قبل الأطراف غير التابعة للدول والتي تمتلك صلاحيات عالية، يمكننا القول إننا نعيش في عالم يقوم على نظرية توماس هوبز بشأن الطبيعة الإنسانية. لذلك، فإن عدم اتخاذ أي إجراء في هذا الشأن ليس خياراً متاحاً، حيث إن عدم وضع لوائح تنظيمية، يوحي بأننا نشجع على انتشار الاستخدام غير المشروع للتكنولوجيا. وكما يتضح لنا، فإن تلك الأطراف، بما فيهم الجماعات الإرهابية، تتمتع بإمكانية الوصول إلى هذه التقنيات المتقدمة بشكل متزايد.

خامساً وأخيراً: تناولنا أهمية التقنيات الرقمية لحماية الجهات الفاعلة الإنسانية. فلنتحدث الآن عن دورها في توسيع نطاق العمل الإنساني، إذ يمكن للابتكارات الرقمية تحسين سير العمليات الإنسانية مثل الذكاء الاصطناعي، والتحليلات التنبؤية، والتحويلات النقدية الرقمية، وتقنية بلوك تشين (Blockchain). كما إن هذه التقنيات الناشئة، لا تساعد الجهات الفاعلة الإنسانية على توقع الأزمات والاستعداد لها فحسب، بل تمكّنها أيضاً من الاستجابة بسرعة وكفاءة أكبر، عند ظهور مثل تلك الأزمات.

عندما نفكر في الابتكار الرقمي، دعونا لا ننسى الفجوة الرقمية، إذ تشير التقديرات إلى أن 37 في المائة من سكان العالم، أي ما يقرب من 3 مليارات إنسان، لم يستخدموا الإنترنت أبداً. ولا يزال الانقسام واسعاً، ويؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفتيات، إذ أن 19 في المائة فقط من النساء وفي أقل البلدان نمواً، يستخدمن الإنترنت (12 نقطة مئوية أقل من الرجال). إذن، فمن الواضح أن عدم المساواة القائم في العالم الواقعي ينتقل أيضاً إلى العالم الرقمي. وعندما نفكر في الكيفية التي يمكن أن يساعدنا بها الابتكار في مضاعفة تأثيرنا في كافة المجالات، يمكننا حينها منح الأولوية لأولئك الذين لم ينتفعوا بعد من مكاسب التطورات التكنولوجية التي أصبحت شائعة الآن في أجزاء أخرى من العالم.

انطلاقاً من أن دولة الإمارات كانت من أوائل الدول التي شجعت ودعمت التقنيات الرائدة، فإنها تستفيد من مزاياها محلياً وخارجياً. لهذا السبب، دافعنا عن إنشاء فريق الأمين العام رفيع المستوى بشأن التعاون الرقمي قبل أربع سنوات، والذي يعكس إيماننا بأن التقنيات الرقمية يمكن أن تسهم بشكل إيجابي في السلام والأمن العالميين. لقد دعمنا بنشاط جهود التنفيذ، ونشجع رؤية الأمين العام في “جدول أعمالنا المشترك”، والمتعلقة بفكرة وضع ميثاق رقمي عالمي، إذ أننا جميعاً بحاجة إلى دعم هذا العمل متعدد الأطراف، بشكل أكبر.

وختاماً، ستواصل دولة الإمارات العمل مع الجميع في هذا المجلس وجميع أصحاب المصلحة، لضمان استفادة العالم من التقنيات الرقمية كعامل تمكين رئيسي، يحقق بناء مجتمعات أكثر مرونة، وإنصافاً وشمولية.

وشكراً، السيدة الرئيسة.