مشاركة

تلقيه: الآنسة ريم الحلماني

السيد الرئيس،

بدايةً أود أن أُعرب عن تقديرنا للأمين العام على تقريره بشأن نطاق وتطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية (A/79/269) ونشكر الدول الأعضاء على مناقشاتها المستمرة حول هذا الموضوع الهام.

تلتزم دولة الإمارات بالقانون الدولي، بما في ذلك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتؤكد على أهمية تعزيز التعاون الدولي لضمان عدم الإفلات من العقاب، وخاصةً في الجرائم الأكثر خطورة والجرائم التي تتجاوز نطاق الحدود الوطنية.

كما تؤمن دولة الإمارات بأن مبدأ الولاية القضائية العالمية يُجسد مسؤوليتنا الأخلاقية المشتركة تجاه محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة، بما في ذلك جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وتقديم مرتكبيها إلى العدالة، بغض النظر عن مكان وقوع هذه الجرائم أو هوية مرتكبيها. وفي هذا السياق، تؤكد بلادي على ضرورة أن تقتصر الولاية القضائية العالمية على جرائم محددة وخطيرة تتطلب مثل هذا النوع من الإجراءات التي تخرج عن نطاق الولاية القضائية الوطنية المعتادة للدول. ففي هذه الحالة، تُعتبر الولاية القضائية العالمية مُكملةً للولاية الوطنية للدولة التي ارتُكبت فيها الجريمة.

لقد أصبحت الولاية القضائية العالمية عنصراً مهماً في جهودنا الدولية الرامية إلى محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية، وتحقيق العدالة لضحايا هذه الجرائم، وردع وقوعها في المستقبل، وضمان عدم تحول الدول إلى ملاذاتٍ آمنة لمرتكبي هذه الجرائم.

ومع ذلك، فإن تطبيق الولاية القضائية العالمية بصورة غير منتظمة، وإساءة استخدامها لأهداف سياسية، وغياب التعاون الدولي الكافي، يخلقُ تحدياتٍ كبيرة أمام الاستفادة الكاملة من إمكانيات هذه الولاية القضائية العالمية. ولذلك، فإننا نشدد على ضرورة مواجهة هذه العقبات من خلال العمل المشترك وتجديد التزامنا.

كما أن عدم وجود معايير واضحة ومتسقة يُشكل تحدياً كبيراً أمام تطبيق الولاية القضائية العالمية. وتشدد دولة الإمارات في هذا الصدد على أهمية تطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية على نحو يضمن تحقيق المساواة في السيادة بين الدول، ويحترم مبدأ السلامة الإقليمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولا يقوض سلطة المحاكم الوطنية. كما يجب عدم اللجوء إلى تطبيق هذه الولاية القضائية العالمية إلا في حالات فشل الأنظمة الوطنية في تحقيق العدالة، مع مراعاة الاحترام الكامل لسيادة القانون والإجراءات القانونية الواجبة.

وفي هذا الصدد، تدعو دولة الإمارات إلى تعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في المسائل الجنائية، بما في ذلك في مجال المساعدة القانونية المتبادلة وتسليم المجرمين.  إذ ينبغي على الدول تعزيز تبادل المعلومات فيما بينها لمنع ومواجهة الجرائم الدولية، حيث إن التعاون المكثف وحده هو القادر على سد الثغرات التي تُمكن مرتكبي الجرائم من التهرب من العدالة. وقد اتخذت بلادي خطواتٍ ملموسة بهدف تعزيز تعاونها القضائي الدولي، منها التوقيع على أكثر من 100 اتفاقية بشأن تسليم المجرمين وتبادل المساعدة القانونية مع دول العالم، لضمان عدم تمكين مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة الذين يعبرون الحدود من الإفلات من المساءلة.

وتجسيداً لالتزامنا الواضح بالعدالة والمساءلة، سعت بلادي إلى دمج المعايير القانونية الدولية في تشريعاتها الوطنية لمكافحة الإفلات من العقاب، بما في ذلك من خلال منح السلطة القضائية الوطنية اختصاص ملاحقة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية المرتكبة خارج حدود البلاد بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم 12 لسنة 2017 وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وضمن إطار الحدود والشروط الواردة في هذا القانون.

كما استثمرت بلادي في المبادرات الرامية إلى بناء القدرات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، من خلال تقديم التدريب والموارد اللازمة لتعزيز النظم القانونية الوطنية، إيماناً منها بأن مساعدة الدول على تطوير قدراتها القضائية يساهم في تقليل الحاجة إلى تطبيق الولاية القضائية العالمية ومنع الإفلات من العقاب. ومن الأمثلة على ذلك شراكتنا مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة خاصة من خلال استضافة دولة الإمارات لمؤتمر الأمم المتحدة الخامس عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية المقرر عقده خلال العام 2026 في أبوظبي،

 كما نعمل مع الأمم المتحدة على بناء قدرات العدالة الجنائية في جهود مكافحة الإتجار بالبشر في جميع أنحاء المنطقة، من خلال تدريب أجهزة إنفاذ القانون، والمدّعين العامّين، والقُضاة، على التحقيق في الجرائم العابرة للحدود الوطنية وملاحقتها قضائياً والحكم فيها، لضمان محاكمة الجناة أينما وُجدوا.

السيد الرئيس،

إن وجود مبدأ الولاية القضائية العالمية في حد ذاته يجسد إيماننا المشترك بأن هناك بعض الجرائم البشعة للغاية التي تسيء للبشرية جمعاء، ومسؤوليتنا المشتركة ليس فقط تجاه السعي للمساءلة على هذه الجرائم، وإنما تحقيق العدالة لضحاياها.

ومن جهتها، ستواصل دولة الإمارات المشاركة بشكل بناء في مناقشات الدول الأعضاء لفهم نقاط الاختلاف والسعي للتوصل إلى توافق أكبر حول إطارٍ عمل أكثر تماسكاً وشفافيةً يضمن تعاوناً أكبر في مجال تطبيق الولاية القضائية العالمية.  إذ لابد لنا من مواجهة التحديات بجرأة، والتوصل إلى حلول مبتكرة، وتأكيد التزامنا الثابت بالسعي للعدالة وتحقيقها.

دعونا نتعاون معا في رسم مسار للأمام، تتجاوز فيه مساعينا لتحقيق العدالة الحدود، ولا يجد فيه مرتكبو أخطر الجرائم ملاذاً آمناً.

وشكراً السيد الرئيس،