مشاركة

السيد الرئيس،

ثمانية عشر شهراً من المعاناة المستمرة في السودان الشقيق، ثمانية عشر شهراً ولا يزال الشعب السوداني يواجه أسوأ الظروف الإنسانية. فهناك أكثر من خمسة وعشرين مليون شخصٍ يعيشون تحت جحيم الحرب المستَعِرَة وخطر المجاعة، في الوقت الذي اضطر فيه أكثر من أحد عشر مليون شخصٍ إلى النزوح، سواء إلى داخل البلاد أو إلى خارجها، تاركين وراءهم كل شيء.

اليوم، وبينما يتصاعد العنف بشكل مروع، نقف في هذه القاعة مرة أخرى لنناقش إساءة استعمال حق النقض فعلى الرغم من الدعم الواسع الذي حظي به مشروع القرار الذي طرحته كلاً من المملكة المتحدة وسيراليون في مجلس الأمن بشأن حماية المدنيين في السودان، وتأييد دول المنطقة له في المجلس، إلا أن استخدام الفيتو حال دون وفاء المجلس بمسؤولياته في حماية المدنيين، مما يُشكل انتكاسة خطيرة لمصداقية مجلس الأمن، وخُذلاناً لآمال الملايين من المدنيين في السودان الذين يتطلعون إلى توفير الحماية الفورية لهم.

السيد الرئيس،

وفي سياق مناقشتنا اليوم، أود أن أسلط الضوء على النقاط التالية:

أولاً، في ظل تزايد جلسات الجمعية العامة حول استخدام حق النقض وارتفاع الدعوات للحد من إساءة استخدامه أو إلغائه، يتعين على الدول الأعضاء، خاصة دول أعضاء مجلس الأمن، استخلاص الدروس من المناقشات ذات الصلة والبدء بخطوات عملية لتحسين الإجراءات، فقد قدمنا في جلسة الأسبوع الماضي بشأن استخدام حق النقض، عدد من المقترحات بشأن تقييد استخدامه في حالات الفظائع الجماعية.

كما ندعو مجلس الأمن إلى تعزيز مفهوم ضبط النفس في استخدام هذا الحق ضمن أساليب عمله وإجراءاته.

ثانياً، يجب التأكيد على أن السبيل الوحيد لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية هو وقف إطلاق النار بشكل فوري ودائم، والعودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى توافق وطني لتشكيل حكومة يشارك فيها ويقودها المدنيون، وبما يلبي تطلعات شعب السودان الشقيق في التنمية والازدهار.

ومع استمرار تعنت الأطراف المتحاربة وإصرارها على مواصلة القتال وإطالة أمد الحرب، فيتعين على المجتمع الدولي عدم التساهل مع الطرف الذي يرفض الجلوس على طاولة المفاوضات، واتخاذ موقفٍ حازم. ومن جانبنا ستواصل بلادي دعم جهود القادة الإقليميين، والمبعوث الشخصي للأمين العام، وكافة المبادرات التي تهدف إلى إنهاء هذه الأزمة.

ثالثاً، إن الامتثال للقانون الإنساني الدولي ليس اقتراحاً، بل هو التزام يجب احترامه دون استثناء. وفي هذا السياق، ندعو الأطراف المتحاربة إلى احترام إعلان جدة وتنفيذه فوراً، بما في ذلك حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، وضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني.  فالإدانة وحدها لم تعد كافية لمواجهة الانتهاكات المروعة بما يشمل جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، وقتل وتشويه الأطفال وتجنيدهم، وشن هجمات عشوائية ضد المدنيين والمنشآت الحيوية. ولابد أن تكون هناك محاسبة عن هذه الانتهاكات.

ويجب أن يكون إيصال المساعدات الإنسانية أولوية مطلقة. فلا يمكن أن يظل الوضع الإنساني رهينة بيد الأطراف المتحاربة، أو ورقة مساومة.

 وإذ نرحب بالخطوات الإيجابية الأخيرة، مثل تمديد فتح معبر أدَري، ووصول المساعدات الإنسانية إلى مخيم زمزم، إلا أننا نؤكد على أن هذا الوضع يتطلب إيجاد حلول دائمة وشاملة، تضمن فتح الممرات الإنسانية بشكل مستمر، وضمان إيصال المساعدات إلى جميع المحتاجين، عبر خطوط النزاع وعبر الحدود، والتوصل إلى هدن إنسانية، واتفاقات وقف نار محلية.

ويتعين على مجلس الأمن أن يكون مستعداً لاستخدام الأدوات المتاحة له لضمان الوصول الإنساني الكامل بدون أي عراقيل.

السيد الرئيس،

إنه من المؤسف أن نرى ممثلين في بورت سودان، والذين يزعمون بأنهم يمثلون الشعب السوداني، يرحبون باستخدام حق النقض ضد قرار إنساني كان يهدف إلى حماية المدنيين، بما يتناقض تماماً مع مزاعمهم بشأن الحرص على حماية المدنيين، ويؤكد أن أولوياتهم هي السعي إلى تحقيق انتصارات عسكرية على حساب الأبرياء.

في كل مرة نجتمع فيها للعمل من أجل تحقيق السلام للشعب السوداني ووقف معاناته، يحاول ممثل السودان استغلال الاجتماع لإلقاء اللوم على الآخرين، وصرف الانتباه عن الانتهاكات الخطيرة ضد المدنيين في السودان.

وختاماً، السيد الرئيس، هناك حقيقة واقعية لا يجب أن تغيب عن أعيننا، وهي أن لا أحد من الأطراف المتحاربة يمثل تطلعات الشعب السوداني، ولا يعبر عن إرادته. وتؤكد دولة الإمارات في هذا الصدد على أنه لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، وأن الطريق الوحيد للمضي قدماً هو الحوار والتوافق الوطني. ومن جانبنا، ستواصل دولة الإمارات، بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين، دعم الشعب السوداني الشقيق في تجاوز هذه المرحلة الحرجة وبناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

وشكراً، السيد الرئيس.