يلقيه سعادة السفير محمد أبوشهاب، المندوب الدائم ورئيس المجموعة العربية لشهر مايو
السيد الرئيس،
يطيب لي أن أقدم هذا البيان نيابة عن المجموعة العربية. وأود أن أشكر المنسق الخاص السيد تور وينسلاند على إحاطته التي سلطت الضوء على الأوضاع الكارثية الناجمة عن حرب إسرائيل على قطاع غزة.
إن ما شهدناه من هجمات على مخيمات النازحين في رفح منذ مطلع هذا الأسبوع يفوق الوصف، ويقتضي إدانة واضحة من المجتمع الدولي بأكمله.
فالمجزرة الشنيعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم الأحد الماضي بحق مئات المدنيين وهم نائمون في خيامهم، وتضاف إليها مجزرة المواصي يوم أمس، ليست إلا حلقات جديدة في سلسلة جرائم الحرب الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني.
السيد الرئيس،
لا توجد كلمات تعبر عن فظاعة موت الأطفال حرقاً بالنيران، أو عبارات تصف رعب أم تحتضن أشلاء رضيعها المحترقة، أو لغة تعبر عن صرخات الألم لشيخ مقعد يلفظ أنفاسه الأخيرة وسط الخيام المشتعلة.
لقد جاءت هذه الغارات الدموية بعد أقل من يومين على إصدار محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة جديدة تطالب إسرائيل بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في رفح، وبعد أن نزح خلال الأسبوعين الماضيين أكثر من 900 ألف فلسطيني، أي ما يفوق 60 بالمئة من النازحين في رفح، بسبب تصعيد إسرائيل عدوانها على المحافظة، ليضطر العديد منهم للنزوح مجدداً، بحثاً عن الأمان من هذه الحرب.
إلا أنه وبعد ما يقارب ثمانية أشهر من القصف والقتل والتنكيل والتشريد، لم يعد هناك مكان آمن أو صالح للعيش في غزة، فكل ما كان يطلق عليه منطقة آمنة تم استهدافه، وكل ما هو محمي بموجب القانون الإنساني الدولي تم انتهاكه.
إن مأساة النزوح المتكرر ما هي إلا وجه من أوجه المعاناة التي يكابدها هؤلاء النازحون الذين يعانون من غياب شبه تام للمياه والمواد الغذائية والصحية، خاصة مع إغلاق إسرائيل معبر رفح وعدم سماحها بدخول المساعدات الإنسانية، في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة من المجاعة.
لقد تجاوزت إسرائيل بإصرار وتعنت كل الخطوط الحمراء وباتت تتحدى بوضوح لا لبس فيه القانون الدولي وقرارات هذا المجلس، تماماً كما تجاهلت التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية ثلاث مرات.
إن أنظار العالم اليوم لا تتجه إلى رفح فحسب، بل أيضاً إلى هذا المجلس المسؤول عن صون السلم والأمن الدوليين،
فمثل هذا المستوى من الإجرام يتطلب من مجلس الأمن رداً حازماً وواضحاً، فحين تأسست الأمم المتحدة على أنقاض حربين عالميتين مدمرتين، تعهدت الدول الأعضاء بأن تنقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، ومجلسكم الموقر تقع على عاتقه المسؤولية الرئيسية لتحقيق ذلك.
فأين أهل غزة من هذا العهد؟ إن ما يحدث في القطاع يجسد دون شك المعنى الحقيقي لويلات الحرب وما تسببه من فظائع للأبرياء.
إن المجموعة العربية تدعو هذا المجلس إلى الانخراط بشكل إيجابي وبنّاء في المفاوضات المتعلقة بمشروع القرار الذي طرحته دولة الجزائر يوم أمس، ويهدف لوقف الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح ويطالب بوقفٍ فوري لإطلاق النار، ونؤكد على ضرورة اعتماد هذا القرار بعد أن تأخر مجلس الأمن كثيراً في اتخاذ مثل هذه الخطوة الضرورية، فقد بات ملحاً إنهاء هذه الحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها حربٌ ضد الأطفال، وشهدنا خلالها تكرار المجازر التي طالت المستشفيات، ونقاط توزيع المساعدات، والأطفال وغيرهم من الأبرياء، كما شهدنا قتل اسرائيل للعاملين في المجال الإنساني والطبي والإعلامي، بالإضافة إلى المسنين، والنساء، والأطفال.
وطال القصف أيضاً المراكز الصحية، والمدارس، والمخيمات، والمخابز، والمساجد، والكنائس، والجامعات، ومنشآت الأمم المتحدة. ونذكر هنا إن استهداف المدنيين يشكل جريمة حرب يجب محاسبة مرتكبيها أمام القانون.
لقد باتت الازدواجية في المعايير واضحة كعين الشمس، وتداعياتها لن تقتصر على زعزعة الاستقرار في منطقتنا فحسب، بل في العالم أجمع.
وعليه، تؤكد المجموعة العربية ضرورة تطبيق القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، بشكل موحد ومتساوي ودون استثناء أو تمييز.
لا ينبغي أن يكون تنفيذ قرارات مجلس الأمن انتقائياً أو قائماً على الكيل بمكيالين.
إن إسرائيل، شأنها شأن أي دولة أخرى، مطالبة باحترام التزاماتها وفقاً لهذه الأطر الدولية ووقف ممارساتها غير الشرعية. ويجب أن يشمل هذا الضفة الغربية أيضاً، حيث تتصاعد التوترات لمستويات خطيرة مع تسارع وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي والمداهمات شبه اليومية للمدن والمخيمات الفلسطينية، فضلاً عن الاقتحامات المستمرة من قبل المتطرفين الإسرائيليين للمسجد الأقصى المبارك، تحت حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وإعاقة دخول المصلين إليه، والذي يمثل خرقاً فاضحاً للقانون الدولي وللوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها.
إن القمع الذي يمارس ضد الفلسطينيين لا حدود له، مما ينذر بتفجير الأوضاع في المنطقة في أي لحظة على نحو قد يصعب احتوائه.
وختاماً، تُجدد المجموعة العربية مطالبتها لهذا المجلس باتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الحرب على غزة، وضمان دخول المساعدات الإنسانية بشكلٍ عاجل ودون عوائق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وتؤكد المجموعة على ضرورة التحرك الفوري قبل فوات الأوان، حيث نقدر في هذا السياق الجهود الحثيثة التي تبذلها جمهورية مصر العربية ودولة قطر، من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتخفيف المعاناة في غزة.
إن هذا المنعطف الخطير من تاريخ الصراع، يحتم على مجلس الأمن والمجتمع الدولي بذل كل الجهود الممكنة لإنقاذ حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال، ووقف العنف، وإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، واستقلال دولة فلسطين على حدود عام 1967، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
كما أن تحقيق السلام العادل والدائم يتطلب دعماً قوياً للعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، فضلاً عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مثلما أقدمت على ذلك مؤخراً العديد من الدول التي نثمن عالياً وقوفها إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق.
وشكراً، السيد الرئيس.